اخر الاخبار

يتعرض جزء من المباني التراثية في بلاد ما بين النهرين الى الاندثار والتآكل بسبب العوامل الناجمة عن التغير المناخي،

 حيث أدى نقص المياه في نهري دجلة والفرات الى ارتفاع التراكيز الملحية في العراق والعواصف الرملية.

تهديد كبير

يقول الخبير التراثي مصطفى الغزي (ماجستير في تاريخ الحضارات القديمة)، ان “التغيرات المناخية القاسية والمتسارعة التي شهدها العراق، من ارتفاع درجات الحرارة ورياح وعواصف ترابية، القت بظلالها السلبية على الكثير من الجوانب الإنسانية، ومنها الضرر الذي لحق بالمواقع الاثرية”، مضيفا ان هذه العوامل باتت تشكل تهديدا حقيقيا لوجود الكثير من المواقع والمباني الاثرية المدرجة ضمن التراث المحلي والعالمي.

وتشكل تلك المباني جانبا من هوية المجتمع الثقافية، وتحاكي تاريخا وحضارة تمتد لعقود من الزمن، الا انها تتعرض لمخاطر جسام نتيجة عاملي الزمن والإنسان. ويقصد بالزمن عمر المبنى في ظل عوامل التعرية والاندثار المستمرة، والتي تعد من أشد التحديات التي تواجه العاملين في مجالي الآثار والتراث، بحسب ما بيّن الغزي في حديثه مع “طريق الشعب”.

ويشير الى استحداث تخصصات دقيقة في مجالات عديدة، منها مجال الحفاظ على التراث الثقافي، الذي أصبح علماً قائماً بذاته، ينطلق من الواجب الإنساني الملقى على عاتق المجتمعات لحماية وصون التراث، الذي يعد هوية المجتمعات ووثيقتها العمرانية البالغة الأهمية.

ويزيد بالقول: ان “العديد من المختصين في مجال الصيانة والحفاظ العمراني، شخصوا تغولا للتغيرات المناخية، ورصدوا تأثيرها على سلامة وعمر المباني الأثرية والتراثية، والتي صنفوها إلى تأثيرات بسيطة ومتوسطة الشدة وتأثيرات عميقة. وبالتالي فإن جميع تلك التأثيرات تتطلب وضع خطط صيانة مستدامة لتلك المباني، لأجل حمايتها وتدعيم الأجزاء المتضررة والمتهالكة منها، وإعادة تأهيلها بالشكل العلمي الأمثل.

“أم العقارب”

وتعتبر “أمّ العقارب” إحدى أهم المدن السومرية في جنوب بلاد الرافدين وكانت تتمتع بدور مميز خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد.

وتجمع “ام العقارب” العديد من المعابد وبينها إله سومر “شاراع”، على أرض صحراوية مساحتها 5 كيلومترات مربعة في جنوب العراق. وقد، بلغت ذروة مجدها عام 2350 قبل الميلاد. واكتشف علماء الآثار خلال حملات التنقيب قنوات وقطع فخار وأقراصا وألواحا وقطعا حيوية تروي تاريخ السومريين. ويتحدث الغزي عن موقع أمّ العقارب وما تواجهه اليوم من تأثيرات غير مباشرة سببها التغير المناخي، متحدثا عن “العواصف الرملية المتزايدة في العراق، بالإضافة إلى ما يتعرض له الموقع من أعمال نهب متكررة، كما هي حال مواقع أخرى تفتقر لحراسة جيدة واهتمام حكومي”.

ويشير الى ان الرمال المتحركة بدأت تغطي أجزاء كبيرة من موقع أم العقارب، “وهذا الحال مستمر منذ 10 سنوات”.

واجتاح العراق خلال العام 2022 أكثر من 10عواصف رملية، وفقا لحصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية.

عامل اخر

وتقول خبيرة الاثار والتراث، د. فوزية المالكي، ان “البعثات الأثرية المقبلة سيتعين عليها بذل المزيد من الجهد لتنظيف الأرض قبل البدء بالتنقيب، بسبب العواصف الترابية التي بدأت تغطي المواقع الاثارية”.

وتشير المالكي في حديثها مع “طريق الشعب”، الى ان “الرياح الحالية مليئة بكميات كبيرة من الغبار، وتحمل شوائب من الأرض، خصوصاً الرمال، مما يؤدي إلى تآكل المباني الأثرية”.

وتتحدث المالكي عن عامل اخر يساهم في إضعاف المواقع الاثرية، ويتمثل في الملوحة التي تشكل العدو الثاني للمواقع الأثرية. ويعود سببها إلى البيئة الجافة جدا.

وتوضح انه عندما “يتبخر الماء بسرعة كبيرة لا يبقى سوى الأملاح، ما يؤدي تراكم كميات كبيرة منه إلى تآكل كل شيء”.

ويعدّ العراق أحد أكثر 5 دول في العالم تأثرا ببعض الآثار الملموسة للتغير المناخي، وفي مقدمتها فترات الجفاف الطويلة، وفقا لتقارير الأمم المتحدة.

جانب إيجابي

ويقر حسن حميد، ماجستير علم آثار، بأن “المواقع الأثرية معرضة للتعرية والرياح أكثر من غيرها، بسبب التصحر والجفاف والتغير المناخي، خاصة خلال هذه السنوات التي واجه فيها العراق نقصا في المياه وشحا في الأمطار وجفافا”.

ويشير حميد في حديثه مع “طريق الشعب”، الى ان “الأضرار التي تلحق بالمواقع الاثرية ستترك فجوات في معرفتنا بالتطور البشري وتطور المدن المبكرة وإدارة الإمبراطوريات والتغيرات الديناميكية”.

وبرغم مساوئ التصحر والجفاف الكبيرة على الآثار العراقية، فقد أدى انخفاض منسوب المياه في نهر دجلة مؤخرا، الى ظهور آثار زاخيكو في المنطقة الكردية في العراق. وبدأ فريق من علماء الآثار المحليين والألمان التنقيب في الموقع، وكشفوا عن تفاصيل جديدة حول المدينة بعد حفريات أولية قصيرة عام 2018 كشفت عن أطلال قصر أثري، بحسب ما قال حميد لـ”طريق الشعب”.

واختفى موقع زاخيكو تماما في الثمانينيات، عندما غمرته المياه كجزء من مشروع سد الموصل الذي تم بناؤه، وهو أكبر وأهم خزان للمياه في العراق، يستخدم للري في اتجاه مجرى النهر.

عرض مقالات: