اخر الاخبار

كشفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن وجود 2.5 مليون عراقي، لا يزالون بحاجة إلى مساعدة إنسانية، فضلاً عن نحو مليون آخرين يعتزمون تلقي المساعدة خلال العام 2023. وفيما أشارت إلى أن العدد التقديري للنازحين داخل البلاد هو 1.2 مليون شخص، أكدت وجود 180 ألف نازح ما يزالون مقيمين في المخيمات. 

وتثار تساؤلات عديدة مشروعة حول الفائدة من موازنة انفجارية لثلاث سنوات قادمة، لا تضع حدا لمعاناة الكثير من المواطنين، وإحصائيات الفقر التي تتصاعد باستمرار؟

وهنا، يربط الكثير من المراقبين استمرار تفاقم الأوضاع السيئة في البلاد بإرادة صانع القرار العراقي، الذي لا يتعاطى بجدية مع الملفات التي تتعلق بمعيشة الناس، وبالظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وقائع مؤسفة

وبالعودة الى تقرير الوكالة الامريكية (المسؤولة في المقام الأول عن إدارة المساعدات الخارجية المدنية والمساعدة الإنمائية)، الذي استند إلى بيانات صدرت مؤخراً عن الأمم المتحدة بشأن العراق، وأكدت وجود 261,929 لاجئا سوريا في العراق. 

وبحسب التقرير، فإنه “على الرغم من تحسن الوصول إلى الخدمات العامة ومستوى المعيشة من العام 2012 إلى العام 2022، ما تزال الفجوات الواسعة في جودة الخدمات العامة تقوض استدامة تكامل العائدين”، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة. 

وأشار التقرير الأمريكي، إلى أن “العائدين إلى مناطقهم، ما زالوا يواجهون تحديات في إعادة الاندماج، نتيجة التوتر الاجتماعي وانعدام الأمن، وفقا لتقييم المنظمة الدولية للهجرة، الذي يرتب بيانات عن السكان العائدين في 14 مقاطعة مع أكبر عدد من العائدين بين عامي 2012 و2022”. 

وينوه التقرير بتحسن مستوى المعيشة والوصول إلى الخدمات العامة من العام 2012 إلى العام 2022، حيث يعيش 1% فقط من العائدين في منازل ذات ظروف مادية سيئة، مثل الملاجئ غير الرسمية أو الخيام أو المباني غير المكتملة، منذ أبريل/ نيسان الماضي، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.

بالإضافة إلى ذلك، عادت إمدادات الكهرباء والمياه للعائدين إلى مستويات ما قبل العام 2012 أو تجاوزتها، لكن ورغم ذلك، يواصل العائدون الإبلاغ عن ثغرات كبيرة في جودة الخدمات العامة، حيث أبلغ ما يقرب من 80% من الأسر العائدة عن عدم كفاية إمدادات الكهرباء، وأبلغ أكثر من 60% عن تحديات في الحصول على خدمات التعليم والرعاية الصحية الكافية، بحسب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. 

وعلاوة على ذلك، تحدث عائدون، للوكالة الأمريكية، عن “عودة مستويات العمالة إلى حد كبير إلى مستويات ما قبل الصراع”، لكن ما يزال تحدي انعدام الأمن الاقتصادي مستمراً، حيث أخبرت واحدة من كل ثلاث أسر عائدة عن “عدم وجود أموال كافية لشراء الغذاء أو العناصر الأساسية الأخرى في وقت التقييم”.

لا جدية في المعالجة

وفي هذا الشأن، تقول الخبيرة الاقتصادية، د. سلام سميسم ان معطيات التقرير والأرقام تتناغم مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مع ارتفاع مستوى معدلات التضخم الذي يؤدي بالضرورة إلى انخفاض القيمة الحقيقية للدخل العراقي وحدوث هذه الأزمات، وأولها الفقر.

وأضافت، أنّ “هناك مسألة نبّه عليها الجميع ووزارة التخطيط أيضاً شخصتها في إحصاءاتها، وهي اتساع دائرة شرائح الفقر الموجودة في المجتمع العراقي، والآن إذا ما حدثت تغيرات أكبر في السياسة الاقتصادية غير مدروسة، فسنشاهد أيضا ارتفاعا أكبر في معدل الفقراء”.

ولفتت سميسم في حديثها لـ”طريق الشعب”، إلى أن “الدولة اذا ما أرادت تطبيق العدالة الاجتماعية، فان لديها عدة وسائل أهمها السياسة المالية التي تبدأ الدولة من خلالها بتوزيع الإعانات وتقديم سياسات دعم للوقود والصحة والتعليم ورواتب الحماية الاجتماعية، وجميعها تدخل في برامج الدعم”.

وتابعت قائلة: “من جهة أخرى يمكن ان تفرض نظاما ضرائبيا يقتطع من الأغنياء. وهنا لا بد من الاشارة الى ضرورة اعادة النظر في النظام الضريبي الموجود في العراق؛ فمن غير المعقول ان تجبى الضرائب من الفقراء ويستثنى الأغنياء. بينما الأوضاع وصلت الى حد كارثي”.

وأشارت الى ان “صانع القرار يتصور ان الحلول مرهونة بتوزيع الرواتب، لذلك نرى أن المستفيد الوحيد هو فقط من يكون موجودا ضمن السلك الحكومي. بينما جميع الناس الذين هم خارج هذا السلك وبمضمنهم المتقاعدون غير مستفيدين، فالخدمات وقطع الاراضي والقروض وغيرها يستفيد منها الموظف فقط، وهذه فكرة مغلوطة تحتاج الى ايجاد حلول لها”.

واكدت سلام سميسم اهمية “اعادة النظر في السياسة الاقتصادية بشكل جاد، وهذا شرط اساسي لتخفيف معاناة الناس، اضافة للعمل على ضمان فتح ابواب الاستثمار والتشغيل، لان تقليل البطالة يساهم في تقويض نسب الفقر. والاهم ضمن دائرة الحلول هو محاربة الفساد، لان الفاسدين يستولون حتى على الاعانات الاجتماعية والفقير هو المتضرر”.

وخلصت الى القول: ان صانع  القرار الحكومي “لم يتعاط بجدية مع هذا الملف. بدليل ما وصلنا اليه من حال، خصوصا وان نسب ومعدلات الفقر بارتفاع مستمر عاما بعد اخر. وهذا معناه ان السلطة لا تنظر بجدية لهذه القضية”.

مأزق حقيقي

وعلى صعيد متصل، يقول الخبير الاقتصادي جليل اللامي، ان “العراق منذ العام 1990 شهد تحولات واسعة في مؤسسات وضوابط المجتمع كافة. وقد أسهمت عوامل ذاتية وموضوعية في إدامة واستمرارية هذه التحولات في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

وأكد أنّ “الميدان الاجتماعي نال القسط الأكثر سلبية في هذه التحولات، حيث اتسعت ظاهرة الفقر بين مختلف طبقات المجتمع العراقي، بسبب مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية التي سيدت هذه الظاهرة في المجتمع العراقي”.

واشار الخبير في حديثه مع “طريق الشعب الى “اخر احصائية صادرة من الأمم المتحدة بشأن العراق، والتي اكدت وجود 2.5 مليون عراقي، ما يزالون بحاجة إلى مساعدة إنسانية. بالاضافة الى وجود نحو مليون آخرين سيصبحون بحاجة الى المساعدات خلال العام 2023، و 1.2 مليون شخص نازح داخل البلاد”.

وفي ما يتعلق بمشاكل النازحين، ذكر ان المشكلة تكمن في “وقف منح إجراءات تراخيص الوصول المتبعة مسبقا. ونتيجة لعدم وجود آليات بديلة قابلة للتطبيق، تباطأت عمليات وصول المساعدات الإنسانية في مختلف أنحاء العراق بشكل كبير”.

وقال ان “من المفارقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية النادرة، أَنْ تنتشر ظاهرة الفقر في العراق، وتتحول إلى إشكالية بكل أبعادها السلبية في بلد غني جدا بثرواته البشرية الهائلة، وإمكانياته الطبيعية المتنوعة من اتساع الأراضي الخصبة وتوفر المياه العذبة، فضلا عن الثروات المعدنية المتعددة، وبالذات النفط الخام والغاز الطبيعي”.

وخلص الى ان “تقاسم الثروات في العراق، لم يعد مشكلة اقتصادية وقتية أو اجتماعية عابرة، بل تحول إلى مأزق يواجهه صانع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد”، مؤكدا ضرورة “التفكير وإعادة النظر بكل المؤسسات والضوابط التي هيمنت على دوائر صناعة القرار في العراق، تمهيدًا لإقرار معالجات ذات جدوى اقتصادية مثمرة لإشكالية ظاهرة الفقر في العراق، سواء أكان ذلك في المدى المنظور أم على الصعيد الاستراتيجي”.

عرض مقالات: