عن دار الشؤون الثقافية صدر كتاب: الدارمي (دراسة نقدية) للدكتور خير الله سعيد، وهو إسهامة طيبة ودليل على أن الدارمي - كما وصفته أنا - في كتابي ( من حدائق الشعر الشعبي )، بأنه (نبض الضمير الشعبي ) وكتاب د.خير الله يقع في ٣٤٤ صفحة، من القطع المتوسط، مما يجعله أكبر حجماً مقارنة بما أطلعت عليه من مؤلفات في هذا الفن، وهذا يعني أن المؤلف بذل جهوداً كبيرة لانجاز كتابه هذا، فقد ضم ما يقارب ألف بيت من الدارمي،بينما ضم الكتاب المهم للأستاذ ريسان الخزعلي ٧١٥ بيت، في (الهايكو السومري )، وقد خلا الكتابان من شرح لما صعب من معنى المفردات التي يتعسر فهمها على كثير من ابناء هذا الجيل والأجيال اللاحقة، ومما يحمد عليه د.خير الله أنه قسم الدارميحسب أغراضه ومعانيه، مما يسهل على الباحث والدارس الحصول على معنى من المعاني، ويذكر عدداً من الدارميات في كل غرض، وقد حصر الموضوعات بستة، وهي أ- الحزن والألم ب - تمنيات العشق عند المرأة ج - حالة الحب في عالم المرأة العراقية، وأرى أنه من الممكن أن يدرج موضوع الحب ضمن الغرض (ب)، لأن العشق درجة مندرجات الحب، د - الوشاة، هـ - الهجر و الفراق، و – الظروفالمعيشية والاجتماعية، ومن المؤكد أن دائرة اغراضو موضوعات الدارمي أوسع مما حدده د خير الله، فالسخرية – مثلاً - غرض فيه ما فيه من طرافة تجعله باباً مستقلاً منأبواب الدارمي . مثل:
زَفوني بالفالات للبِطلُ حَيلَةْ
حَبني وترسني تفال من وره الِشيلَةْ
وَ:خَيّه انتِ رجلچ زين و انه آمداني
ما ينْدَل الوجناتْحَبني من إذاني
فالصورتان ساخرتان تقتربان من فن الكاريكاتير .
ثمة مسألة التقطها د خير الله، تتعلق بايقاع ووزن الدارمي، لم أطلع على رأي لغيره فيها، فقد علل الأنسجام بين ايقاع ووزن الدارمي، ووضْع المرأة، فهو يرى:((نتيجة هذه الألفة التاريخية بين الرحى والمرأة ... على اعتبار أن حركة حجر الرحى ودورانه بِيَد المرأة خلق نوعاً من الأيقاعية الفنية المتولدة من حركة دوران الحجر ... مما يولد صوتاً وحركةَ دوران اليد للمرأةِ))ص179فهذا تعليل علمي ينسجم مع واقع المرأة وارتباطها بالرحى في الأيقاع والوزن، ويستشهدبالدارمي الرائع المشهور:
ما تنسمع رجاي بس إيدي أدير
أطحنْ بگايا الروح موش أطحن شعير
ويذكر أن هذا الدارمي يُنسب الى الشاعرة (غنمةالبديريّة) ولم يذكر المصدر الذي ينسبه لتلك الشاعرةكما يذكر سبعة عشر دارمياً رداً على الدارمي المشهور:
بَتْ بعد بالدلال جاهل يِعت بيهْ
يبچـي من اصبح عليه يگطعه من أخليه
ويذكر أن هذا الدارمي للشيخ يوسف جار الله، أما الردود، فلم يذكر قائليها، وذكر القائل خير من عدم ذكره، ومن الجدير بالذكر أنه ذكر متواليات ومساجلات ومجاراة في الدارمي في اكثرمن مكان، مما يضفي متعة للمتلقي، ويحفظ تلك النصوص والمتوالية أو المجاراة أو المساجلة تعني أن شاعراً بقول دارمياً، فيجاريه في الموضوع نفسه آخرون مع اختلاف القوافي، بينما المعارضة في فصيح الشعر تشترط الوزن نفسه والقافية نفسها، أما المعنىأو الغرض فقد يطابق أو يخالف الأصل . إن د. خير الله أضاف بكتابه هذا عملاً ممتعاً جديراً بالتقدير، لأن الأدب الشعبي أقدر من غيره فيالتعبير عن هوية الشعب، وقد تضمن هذا المنجز معلومات فيها ما فيها من الطرافة كأشارته إلى أن أم كلثوم غنت أغنية المطربة العراقية سليمة مراد (گلبك صخر جلمود)لكنه لم يذكر المصدر المعتمد الذي استقى منه هذه المعلومة،وخلو المعلومة من ذكر مصدرها يتكرر في اكثر من مكان، ولعل الاستعجال هو السبب، ومن ذلك أن د. خير الله يذكر:((إن الاهتمامبتدوين هذا اللون من الشعر لم يظهر إِلا في مطلع بدايات الألف الثانية من هذا العصر...، ص282، فالاستعجال وعدم المراجعة أنتج، هذا الخطأ التاريخي، لأن الباحثين والدكتور منهم يكادون يتفقون على أن الدارمي نشأ في وسط وجنوب العراق في أواخر القرن الثامن عشر،وبدايات القرن التاسع عشر، وما ذكره د. خير الله هو زلة قلم وسبق لسان، بسبب الاستعجال. ثمة أمور أخرى وددت الأشارة اليها ولكنطبيعة حجم المقالة لا يسمح بها .
ختاماً أن جهود د. خير الله سدت فراغاً في هذ الموضوع، وسيبقى منجزه هذا واحداً من الانجازات المتميزة فيفن الدارمي، ومصدر متعة ومعرفة لكل من يبتغيها .