اخر الاخبار

مرّت عشرون سنة على اول انتخابات نيابية شهدتها البلاد، وكان من المؤمل أن تنضج ثمارها على صعد مختلفة، مع تأمين مستلزماتها مثلما هو متبع في أي بلد ديمقراطي، لاسيما بعد أن لاحت تباشير التحول نحو التداول السلمي للسلطة، عقب عقود من الحكم الدكتاتوري الدموي. الا ان ما تمخض عنه العقدان الماضيان لم يأت متسقاً مع آمال وتطلعات العراقيين.

عمل وأداء مجلس النواب

ويجد معنيون ان البرلمان لم يمارس الديمقراطية الحقة يوما، كونه حول النهج المحاصصاتي الى عرف سياسي، رافق تشكيل الحكومات، وأبعد ذلك المؤسسة التشريعية عن أداء دورها المطلوب.

ويمكن رؤية هذا كله بوضوح في تراجع مستوى اداء مجلس النواب، وتركيبته، علاوة على مساعي القوى المتنفذة لتعزيز نهجها الايديولوجي والسلطوي وضمان مصالحها في القوانين التي يجري تشريعها، محذرين من استمرار حالة التفرد في الحكم.

المحاصصة تتقاطع مع الديمقراطية

السياسي والنائب السابق في مجلس النواب، وائل عبد اللطيف، يقول ان «البداية كانت موفقة، ففي مجلس الحكم والجمعية الوطنية، شرعّنا اكثر من 164 قانوناً وانجزنا الدستور، وذلك لم يكن سهلاً. كذلك جملة من القوانين المهمة في الدورة الأولى لمجلس النواب. ثم بدأ الانحدار منذ الدورة الثانية والى الآن، والتراجع لم يزل مستمرا على مستوى عمل مجلس النواب».

وينبّه إلى ان «القرارات تخرج من تحت عباءة القوى السياسية، التي تتحرك وفق مصالحها ومنافعها واتفاقياتها، ولا يمكن لقوى سياسية غير ديمقراطية ولا تؤمن بها ان تعزز هذا المبدأ وتطبقه. ان نسبة كبيرة من القوى السياسية والاحزاب في السلطة ليست ديمقراطية وتعتمد التوريث على غرار الأنظمة الملكية».

ويردف بالقول انه «في اللحظة التي دخلنا بها الى المحاصصة خرجنا عن الديمقراطية. وبالتالي لا نرى اليوم أن هناك دوراً للديمقراطية في البلد ولا نشعر بها اطلاقا، عدا انعكاسات سلبية تتمثل بتقييد الحريات والممارسات القمعية والدعاوى القضائية، التي تلاحق اصحاب الرأي، بشكل يتعارض مع ما ورد في الباب الثاني من الدستور».

ويختتم د. عبد اللطيف حديثه بالقول إن «المتنفذين يسيرون على خط  دكتاتوري، فكيف يوصف بالديمقراطي من يقول عن منظومة الحكم «نأخذها وما ننطيها»؟»، هذا لا يعني سوى ان التحول الديمقراطي توقف، وليس هناك امل في انجاز حقيقي لهذا البلد باتجاه تعزيز الديمقراطية في ظل المنظومة الحاكمة.

بحاجة الى إصلاح

وعلى صعيد متصل، يقول رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، ان «النظام البرلماني في العراق على مستوى التنظير يعد نظاماً متطوراً، وأشبه بالموجود في الدول الغربية، لكن على مستوى التجربة والتطبيق، عمق هذا النظام الانقسام الاجتماعي، حيث افرغته القوى المتنفذة من فحواه، وقلصت دوره».

ويضيف قائلا: ان النظام البرلماني خطر في بعض الأحيان «ففي حال صعدت فيه نخب غير مؤهلة او نخب لا يحركها الوازع الوطني، فإنه يتحول بكل تأكيد الى تجربة انقسامية، والعكس صحيح، فالدول التي تتشبع نخبها بقيم الديمقراطية ومفهوم الحريات والخ، تنجح فيها التجربة البرلمانية».

ويلفت في حديث مع «طريق الشعب» الى «وجود احزاب لا توجد اي قيم ديمقراطية في النظام الداخلي الخاص بها، وتعتمد على عنصر التوريث، ولا يطالبون باستحقاقات جمهورهم، فكيف لهذه الاحزاب ان تدير او تمثل نظاماً ديمقراطياً او تعزز الديمقراطية حزبياً».

ويبين، انه برغم «التشظي وعدم حرية الدولة، وتحول العراق الى بلد مكونات تعتمد فيه فكرة مصالح المكون، وليس مصالح الوطن، تبقى هناك ممارسات ديمقراطية»، مردفا ان «التجربة الديمقراطية في العراق، بحاجة الى ثورة اصلاحية على مستوى البناء والتطبيق».

ويستشهد الياسري بما حصل في بريطانيا، أي اصلاح من داخل منظومة النظام.

 فيما أرجع سبب المشاكل وجذورها لكون «النخب الحاكمة هي نخب غير مؤهلة ومفهوم المجرب لا يجرب الذي طرحته المرجعية، يمكن ان يختصر هذه القضية ويدل عليها. فبرغم فشل هذه الكتل في تجربتها الا انها تحاول دائماً اعادة انتاج نفسها».

ويحذر الياسري من تعزيز مفهوم الاحادية السياسية التي هي «اسوأ ما في النظام العراقي في هذه المرحلة التي نعيشها».

ويتابع قائلا ان «اساس النظام الديمقراطي هو التنوع. ويجب ان يكون هناك تنافس، والاحادية السياسية ستقتل فكرة المعارضة، وابرز ملمح من ملامح ذلك، ابتعاد البرلمان عن دوره وعن الديمقراطية وتحوله الى قوة حكومية. هناك عملية تداخل بين السلطات في النظام السياسي العراقي. وهذه اشكالية كبرى؛ فالبرلماني يريد ان يصبح وزيراً و يشعر انه وزير و يؤدي دوراً حكومياً. وهذا لا يمكن حدوثه في كل برلمانات العالم».

ويضيف بالقول إن «احد اهم الاشكالات، تجاوز البرلمان لمهماته التشريعية واصراره على أداور تنفيذية، ليست من صلاحياته. وهذه واحدة من أسباب فشل الدورات الانتخابية، اضافة لعوامل اخرى كالانقسامات والتخندقات الطائفية والمحاصصة والعضوية النيابية، التي ينظرون اليها على انها استحقاقات وهي ليست كذلك».

فشل واخفاق 

الباحث والسياسي د.عصام فيلي يقول ان العراق لا يزال يفتقر الى تجربة برلمانية حقيقية، ويجد أن هذه التجربة لم تولد على اسس علمية قائمة على مفهوم المعارضة والسلطة، بل كل الطبقة السياسية سواء كانت معارضة للنظام او غير معارضة، تصعد بمركب كتلة الحكومة او تنزل منها.

ويشير فيلي في حديث مع «طريق الشعب» الى عدم وجود مفهوم حقيقي للمعارضة «نتيجة الخلل في بنية النظام السياسي وطبيعة تشكيل الحكومة، وبالتالي فان القوى السياسية ترى انه لا يمكن التصويت لأي حكومة الا في حال كانت لهم فيها الجزء الاكبر او هم جزء منها، وحين يكون الفرد جزءا من الحكومة لا يمكن له ان يذهب باتجاه تشكيل قوة حقيقية تراقب الاداء».

ويضيف بالقول ان» الحال ذاته بالنسبة للتشريعات، فهناك ما يقرب من 55 قانونا بحاجة الى تشريع، إذ نصّ عليها الدستور لكنها معطلة حتى الان. نحن أمام حقيقة يجب الاعتراف بها: البرلمان يراد له ان يبقى مجرد شكل غير فعّال، ولا يرتقي الى مستوى البرلمانات في العالم».

ويستدرك بالقول: ان الصراعات السياسية «هي ما تتحكم بالمشهد وتترك تأثيراتها حتى على قوانين تلامس حياة الناس. بينما الكثير من التشريعات المطلوبة معطلة، مثل قانون النفط والغاز الذي وجد ليعالج الكثير من المشاكل. كذلك المادة 140 التي لم يتم حلها».

ويؤكد انه في كل برلمانات العالم «تذهب المعارضة الى تشكيل حكومة ظل تراقب الاداء الحكومي. لكن القوى السياسية في البلاد لا تراقب ولا تدفع بهذا الاتجاه، بل انها كانت جزءا اساسياً ومعرقلاً للأداء الحكومي، والحال ينطبق ايضا على الرقابة والشفافية».

ويخلص الى القول «اننا امام ازمة نخبوية لا تفهم طبيعة المهام المناطة بها او التي تقع على عاتقها».

عرض مقالات: