اخر الاخبار

بعد 11 سنة على الجريمة، بدأت في تونس محاكمة قتلة السياسي والمحامي شكري بلعيد الذي شكل اغتياله زلزالاً سياسياً دخلت البلاد بعده في أزمة كبيرة، وقد يشكل مستقبلاً زلزالاً جديداً يهدد مصير الإسلاميين في تونس.

وأُحضر المتهمون أمام المحكمة إلا واحداً رفض المثول أمام الهيئة. ويحاكم في هذه القضية 14 متهماً في حالة إيقاف و9 في حالة سراح.

وكانت التحقيقات الأولية قد وجهت الاتهامات إلى تنظيم “أنصار الشريعة” باغتيال السياسي بلعيد يوم 6 شباط 2013 والسياسي محمد البراهمي يوم 25 تموز 2013 في عمليتين هزتا تونس حينها، وأعقبتهما استقالة رئيس الحكومة والذهاب نحو حوار وطني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية عام 2014.

وبلعيد محام وسياسي يساري ورئيس “حزب الوطنيين الديموقراطيين” أطلق عليه إرهابيون الرصاص أمام منزله في العاصمة تونس في أول عملية اغتيال سياسي يشهدها البلد منذ عام 1956.

وعُرف عن بلعيد معارضته الشرسة للإسلاميين في تونس، وكان يسعى قبل اغتياله إلى تكوين حزب كبير يجمع كل الأطياف السياسية اليسارية والديموقراطية والمدنية لمواجهة تغوّل حزب “النهضة” الحاكم حينها.

وعاشت تونس في عامي 2013 و2014 على وقع عمليات إرهابية تزامنت مع تنامي التيارات المتطرفة في البلاد.

وطالب الدفاع عن المتهمين بتأجيل القضية من أجل مزيد الاطلاع على أوراقها، لكن هيئة المحكمة رفضت ذلك ليتم البدء بجلسات سماع المتهمين المتوقع أن تمتد إلى جلسات مقبلة.

وشهدت الجلسة الأولى حضوراً مكثفاً من المحامين والسياسيين والحقوقيين، فيما تظاهر أنصار حزبه أمام المحكمة مطالبين بالكشف عن الحقيقة ومحاسبة كل من تورط في الجريمة.

كشف الحقيقة

ومنذ أكثر من 10 سنوات ظلت التحقيقات في قضية اغتيال بلعيد متعثرة. وعلى امتداد أكثر من 10 سنوات تنتظم كل يوم أربعاء تظاهرة وسط شارع الحبيب بورقيبة للمطالبة بالكشف عن قتلة بلعيد.

وقال عميد المحامين حاتم مزيو لـ”النهار العربي”: “نأمل أن تنتهي هذه المحاكمة التي شاءت الأقدار أن تنطلق في اليوم ذاته الذي اغتيل فيه بلعيد بالكشف عن الحقيقة كاملة ومحاسبة كل من تورط فيها، بداية من التخطيط والتمويل مروراً بالتنفيذ ووصولاً إلى التغطية”.

ولأكثر من عقد كانت عملية اغتيال بلعيد محل تجاذبات في تونس، وتتهم عائلته وفريق الدفاع “حركة النهضة” بتعطيل مسار النظر فيها عندما كانت في الحكم للتغطية على تورطها فيها، وهي اتهامات تنفيها الأخيرة مؤكدة أنها سياسية تسعى إلى إقصائها.

وقال عضو هيئة محامي بلعيد عبد الناصر العويني إن هذه المحاكمة ليست محاكمة عادية لجريمة عادية، مضيفاً في تصريح إلى “النهار العربي” أن جلسة الثلثاء كانت “جلسة استنطاق الحقيقة”.

ولفت إلى أن “القضاء ينظر في هذه القضية بعيداً من التلاعب السياسي وعمن حاولوا طمس الحقيقة لسنوات طويلة”.

وأضاف: “لسنوات طويلة تم الترويج لرواية مزعومة وواهية تؤكد أن بلعيد اغتاله تنظيم “أنصار الشريعة” رداً على مقتل زوجة أحد قيادييه”.

وقال عبد المجيد بلعيد شقيق شكري بلعيد لـ”النهار العربي” إن اغتيال شقيقه هو جريمة سياسية، مضيفاً: “لقد تمت تصفيته لإسكات صوته الذي كان عالياً ضد المشاريع الظلامية والتدميرية للإسلام السياسي، لذلك نحن نطالب اليوم بمحاسبة القتلة الحقيقيين الذين خططوا ودبروا وتستروا على من نفذ”.

وتابع: “لسنوات طويلة ظلت القضية حبيسة الرفوف وفعل حزب النهضة المستحيل من أجل طمسها، أما اليوم وبعدما تحرّر القضاء من سطوتها فقد ترى الحقيقة النور أخيراً”.

أي تداعيات؟

ويطالب فريق الدفاع عن بلعيد بضم ما يُعرف بقضية “الجهاز السري والغرفة السوداء” وقضية “جمعية نماء” إلى ملف قضية الاغتيال.

وكشف العويني عن ضم هذين الملفين إلى الملف الرئيسي، وقال: “بعد 11 سنة من البحث والتحقيقات، أخيراً ضم القضاء التونسي إلى ملف الاغتيال ملف الجهاز السري للنهضة بعد ثبوت تورطه في العملية”.

وأوضح أن القضاء أعاد توجيه الاتهام إلى أعضاء في “النهضة” وكوادر أمنية، مشدداً على أن ملف اغتيال بلعيد مرتبط بملفات “الجهاز السري والغرفة السوداء” و”شبكات التسفير إلى بؤر التوتر” و”تمويل الإرهاب”.

وكان القضاء التونسي قد أمر بتوقيف راشد الغنوشي في قضية “جمعية نماء” بسبب تهم تتعلق بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال.

ويلاحق أغلب قيادات حزب “حركة النهضة” بتهم مماثلة وجلهم موقوفون.

نحو حلّ “النهضة”؟

وقد يكون لضم هذين الملفين تداعيات سياسية مهمة على الإسلاميين في تونس وفق كثير من المراقبين، ولا يستبعد أن يؤدي ذلك إلى حل الحزب.

وفي تصريح سابق لـ”النهار العربي”، أكدت النائبة فاطمة المسدي أن إثبات القضاء تورط حزب “النهضة” في هذه القضية سيكون خطوة نحو حلها وتصنيفها تنظيماً إرهابياً.

ومنذ أحداث تموز 2021 تتعالى الأصوات المطالبة بحل حزب “النهضة” الإسلامي.

ويحمّل خصوم الإسلاميين “النهضة” المسؤولية عن كل العمليات الإرهابية التي عاشتها تونس بعد عام 2011 واستهدفت أمنيين وعسكريين وسياسيين وسياحاً، ويقول هؤلاء إنها حاولت فرض مشروعها السياسي وتغيير النمط المجتمعي لتونس عبر السماح للخطاب الديني المتطرف بالانتشار على نطاق واسع في البلاد وتوفير الغطاء السياسي له.

ولا تقف الاتهامات للإسلاميين عند هذا الحد، إذ يعتبر خصومها أنها على ارتباطات بشبكات إخوانية إرهابية وجهات أجنبية كانت تدين لها بالولاء أكثر من ولائها لتونس.

وتأتي الاتهامات الجديدة لتزيد من متاعب الإسلاميين في تونس الذين يبدو مصيرهم مجهولاً، خصوصاً بعد فقدان جزء كبير من خزانهم الشعبي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“النهار العربي” – 9 شباط 2024

عرض مقالات: