اخر الاخبار

بتاريخ ٢١/٢/ ٢٠٢٤ أعلنت وزارة الزراعة وعلى لسان السيد الوزير جملة من الإجراءات لتطوير العملية الزراعية بشقيها النباتي والحيواني لغرض توفير الامن الغذائي للمواطن العراقي، ولكن هل الإجراءات المتخذة فعلاً ستوفر الأمن الغذائي للمواطن؟ وهنا سآخذ جانبا واحدا هو الجانب الحيواني، فقبل عام من الآن أعلن الدكتور وليد محمد رزوقي مدير عام الثروة الحيوانية أن عدد الحيوانات بالعراق بلغ ٢٠٤٢٦٧٢٧ منها ١٦٥٢٠٧٤٢ هي أغنام والباقي ماعز وبقر وجاموس وإبل، وكانت أسعار اللحوم آنذاك تتراوح بين ١٢٠٠٠ دينار للحيوانات الكبيرة و١٤٠٠٠ دينار للأغنام. بعد مرور عام أصبحت أسعار اللحوم تتراوح بين ٢٠٠٠٠ دينار و٢٤٠٠٠ دينار وهي في ازدياد متواصل وبالأخص ونحن مقبلون على شهر رمضان.

ولو رجعنا إلى سبب زيادة الأسعار فالاقتصاديون يرجعونه إلى قانون العرض والطلب، فإن زاد العرض قل الطلب ونقصت الأسعار والعكس صحيح، اي بقلة العرض تزيد الأسعار. هنا السؤال يطرح نفسه لماذا قل العرض في سوق الثروة الحيوانية أي سوق القصابة؟ هناك جملة أسباب وأهمها فيما يتعلق برعاية الحيوان ومنها:

 

اولاً- توفير الأعلاف وهنا أقصد بشقيها الأعلاف الخضراء والأعلاف الجافة فهل فعلاً حققت الجهات المعنية الحد الأدنى لتوفر الأعلاف، اعتقد كلا، ففي مجال الأعلاف الخضراء وهي عادة في المراعي فنرى أنه تم التجاوز على ملايين الدونمات بالتعاقد عليها لشركات تعود لجهات متنفذة بدءا من البصرة مروراً بالسماوة والنجف وكربلاء والرمادي و وادي حوران وبعض مناطق الموصل وكركوك وجزيرة سامراء، وهذا خلاف لقانون الرعي رقم ٣ لسنة ٢٠٠٢ الذي يمنع التعاقد على أراضي البوادي الخاصة بالرعي وبالخط المسمى خط الكويت الذي يبعد ٧٠ كم عن مراكز المحافظات إلى الحدود العراقية مع دول الجوار أي المحافظات ذات البوادي البصرة والسماوة والنجف وكربلاء والأنبار ومناطق من الموصل ما أضطر مربو الأغنام للتظاهر في السماوة العام الماضي لمنعهم من دخول البوادي الا بأذن (باج)، ولما لم يحصلوا على شيء اضطروا للهجرة مع أغنامهم إلى دول الجوار، الكويت والسعودية و الأردن وسوريا، وهنا قل العرض وزادت الأسعار.

ثانياً- قلة الأعلاف الجافة وهي منتجات المطاحن كالنخالة وبذور الأدغال والسحالة، فالنخالة تباع من قبل وزارة التجارة بالمزايدة العلنية للتجار المضاربين، وهنا زادت أسعارها في الأسواق المحلية بحيث وصل سعر الطن الواحد من النخالة إلى٦٥٠٠٠٠ دينار، وفي بعض الأحيان أكثر من هذا السعر، في الوقت الذي كانت فيه وزارة الزراعة تبيعها للمربين بأسعار رمزية او تعطي منها ٣٠ بالمائة للاتحاد العام للجمعيات الفلاحية لبيعها بأسعار رمزية لمربي الحيوانات وفق التعليمات آنذاك.

 

ثالثاً- الرعاية البيطرية، فالملاحظ أن المستشفيات البيطرية خالية من الأدوية والعلاجات البيطرية ولدينا العديد من الأمراض المستوطنة والحديثة، ففي العام الماضي فقط هلكت ٤٠٠٠ جاموسة في الناصرية حسب تصريحات المسؤولين فكيف ببقية المحافظات؟ لقد وصلت الأمور للحد الذي تقول فيه بعض الآراء إن وجود الإخوة الأطباء البيطريين في المستشفيات البيطرية والمستوصفات هي بطالة مقنعة لأنهم لا يعملون لعدم توفر العلاجات لديهم وهذه مسؤولية مباشرة تقع على وزارة الزراعة ومؤسساتها.

إن البنى التحتية لقطاع الثروة الحيوانية من محاجر ومختبرات ومراكز تلقيح اصطناعي. جميعها متهالكة وهي من بقايا المؤسسة الزراعية للنظام السابق رغم بذل بعض الجهود لتطويرها لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب.

 

رابعاً- قلة المياه وهجرة الفلاحين من المدينة والريف أدت إلى تناقص أعداد الثروة الحيوانية بنسبة لا تقل عن ٢٥ بالمائة.

 

خامساً- فتح الأبواب أمام المستورد لعدم وجود ضوابط استيراد وإن وجدت فهناك معابر حدودية غير نظامية تدخل منها الحيوانات من دول الجوار مما أثر على الحيوان بسبب الأمراض التي تنقلها معها وعلى المربين نتيجة تدهور أسعار حيواناتهم مما دعاهم لترك المهنة وبالتالي تناقصت أعداد الحيوانات.

يبقى السؤال المهم هل فتح باب الاستيراد مثلما قررت وزارة الزراعة مع فتح الحدود بين المحافظات لانتقال مربي الحيوان بين محافظة وأخرى مع بعض الدعم الذي تحدثت عنه الوزارة، هو الحل لتخفيض أسعار اللحوم والتخفيف عن كاهل المواطن العراقي وتحقيق أمن غذائي جيد؟ طبعاً هذا حل مؤقت وإلى متى؟ وأيضاً له مضاره أهمها تهريب العملة الصعبة للخارج وكذلك دخول العديد من الأمراض والاوبئة المعدية التي قد تقضي على ما بقي لدينا من حيوانات، وللعراق تجربة واسعة بذلك عند دخول الجاموس الهندي للعراق من غير ضوابط في الوقت الذي توجد فيه حلول كثيرة.

في الحقيقة لدى وزارة الزراعة والحكومة إن كانت جادة بحل الازمة العديد من الحلول ومنها:

١- تطبيق القانون رقم ٣ لسنة ٢٠٠٢ والقانون الذي سبقه قانون الرعي والمراعي في العراق وعدم التجاوز على أراضي المراعي و المقصود هنا البوادي في كافة المحافظات والعناية بها ونثر بذور الأدغال فيها بواسطة السيارات او طائرات الدرون بعدما أصبحت جدباء نتيجة شحة الأمطار في السنوات الماضية، وكذلك البحث من قبل الباحثين والعلماء العراقيين عن نباتات عشبية معمرة تستذوقها الحيوانات وتتحمل العطش لفترات طويلة تتجاوز العام مثلما حصل في بوادي استراليا، ويمكن الاستفادة من تجربتهم لتشابه الظروف في هذا المجال مع عدم التعاقد مع اي مواطن على أرض زراعية دون شرط زراعة جزء منها محاصيل علف للحيوانات .

٢- في مجال توفير الأعلاف الجافة لمربي الحيوانات بمجملها نرى ونحن مقبلون على وارد وفير من منتوج الحنطة لهذا العام والذي توقعت وزارتا الزراعة والتجارة بلوغه العام الحالي ٦٠٠٠٠٠٠ طن مع خزين سابق من العام الماضي يقدر ب ١٥٠٠٠٠٠ طن فيصبح المجموع الكلي للحنطة في المخازن سبعة ملايين وخمسمائة الف طن وهذا ما سيوفر مخلفات ونتائج ثانوية بعد الطحن من النخالة وبذور الأدغال بكميات هائلة تمكن وزارة الزراعة من دعم مربي الحيوان بها عبر بيعها بأسعار رمزية وعدم بيعها بالمزايدة العلنية للتجار المضاربين الذين يرفعون أسعارها، وكذلك الاستفادة من الاتحاد الجمعيات الفلاحية في هذا المجال ووفق التعليمات السابقة بمنح اتحاد العام نسبة ٣٠بالمائة من النخالة المنتجة لتوزيعها على مربي الحيوان بأسعار رمزية، وبهذا نكون قد ضمنا عودة مربي الأغنام للبوادي العراقية وكذلك عموم مربي الحيوانات للعمل .

٣- العمل على وضع خطط وبرامج لإعادة تأهيل البنى التحتية للثروة الحيوانية ورصد المبالغ اللازمة لذلك ومنها المحاجر والمختبرات ومراكز التلقيح الاصطناعي والمجازر والمستوصفات والمستشفيات البيطرية وإعادة النظر بالقوانين العاملة وفق ظروف العراق الحالية.

٤- إعادة النظر بالقوانين والتعليمات لإنشاء مشاريع الثروة الحيوانية ومنها مشاريع تربية دجاج البيض واللحم وتسمين العجول وتربية أبقار الحليب والأغنام لأن كل الظروف تغيرت حيث تغير التخطيط العمراني في كافة المحافظات.

٥- معالجة موضوع شحة المياه للسقي والشرب في الريف والحد من الهجرة إلى المدن.

٦- توفير كافة المستلزمات الطبية البيطرية من علاجات ولقاحات وما يحتاجه التلقيح الاصطناعي من مستلزمات تؤدي إلى انتشار أنواع جديدة من الأبقار المنتجة للحليب واللحم وعدم الاعتماد على صنف او صنفين فقط من الأبقار وذلك للتطور الكبير الحاصل في هذا المجال في كل انحاء العالم.

٧- وضع ضوابط شديدة وصارمة لدخول الحيوانات عبر المنافذ الحدودية لما له من تأثيرات صحية عند دخول الحيوانات على البشر والحيوان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مهندس زراعي استشاري