اخر الاخبار

أعلنت الاكاديمية السويدية اسم «آني إرنو» فائزة لهذا العام، وهذه الجائزة الرفيعة تُمنح على وفق معايير خاصة باتت معروفة للجميع، أولها انها لا تمنح الا لكاتب له منهج بيّن له سمات واضحة يدافع عنها في كتبه، ويتمثل عبر خط واضح في جملة اعماله، وعلى عكس ما يشاع عنه بين كتابنا العرب حول جائزة «نوبل» التي لا يفوز بها الا من كان له حيّز في نظرية المؤامرة، وتلك «النظرية» تختصرها القصة الذكية التي عبر عنها «ابن المقفع» عندما ذكر قصة الثعلب الذي قفز ولم يطل عناقيد العنب العالية.. حتى بات يتهم العنب بالحموضة ولا يستحق القفز اليه.

حيث لم يستطع أحد من الكتاب في العالم ان يحدد الشرط الرئيس الذي تمنح من أجله الجائزة الأهم من بين جوائز أهل الأرض، كونها تبحث عن طريقة جديدة في التفكير، طريقة تخصّ صاحبها، ليس فيها تملق لفكرة سابقة، وغالبا ما يظن الكاتب بان هذه الجائزة القيمة تمنح من أجل نصرة قضايا معينة حول نصرة الأديان او مجد الأعراق. وغالبا ما ينتج عن اشباه المثقفين تملق خالص لتلك القضايا، ويبذلون ما بوسعهم لإظهار ذلك الميل الى درجة التشدّق والاسفاف.

 ولعل أحد الاسباب التي تم بموجبها منح أستاذة الادب الفرنسي «آني إرنو Anie Arnaux» المولودة في عام 1940م، انها قد آمنت بقضية المرأة بشكل عام مع الرجل، حيث ان هذه الكاتبة لا تكتب لكي تستميل الرجل ليرضى عنها، انها تكتب من داخل المرأة عن المرأة ولا تحاول ان تقلد نظرة الرجل في نظرته الى المرأة، لذلك نجحت في العديد من اعمالها، وكانت كتبها تتقدم رفوف دور النشر، وتحقق المزيد من المبيعات، فالمكتبة العربية استطاعت ان تفوز بمجموعة طيبة من رواياتها التي معظمها تدخل الى ميدان المرأة الخالص، وتحلل ما لم يصل اليه المحللون حول طبيعتها الكونية. انثى تكتب عن نفسها، اسلوبها السهل جملها المباشرة، تكتب وكأنها تقتطع من يومياتها، من حياتها الخاصة لتدهش به القراء، قضاياها حقائق لم تزوّقها حتى تقدمها بطبق من ذهب تستميل به شريكها الذكر، انها تمضي في كتابتها عن المرأة التي تواجهها، بكل التفاصيل..

ويمكننا القول ان فوزها الأول كان في 1984 ونيلها جائزة «رينودو» الرفيعة المتخصصة بالأدب، وتعد من بين اهم الجوائز الممنوحة للأدب الفرنسي حصرا. حيث تعد «آني ارنو» من كتاب روايات «النوفيلا» التي تقتصر على شخصيات قليلة مؤثثة عبر سرد في زمن محدد، ومن الجدير بذكره ان معظم رواياتها المنقولة الى العربية، لم تتجاوز كل واحدة منها المئة صفحة من القطع المتوسط، مثل «انظر الى الأضواء يا حبيبي»، «الحدث»، «لم اخرج من ليلي»، «أمرأه»، «شغف بسيط»، و»الاحتلال».. يعهد قارئ رواياتها انه أمام كاتبة من طراز خاص، قد أرسلت رسالتها الإنسانية كمواجهة للحياة، بمضمون فريد. تفردت الكاتبة بانها لم تكتب رواياتها على وفق الطرق السردية التي الفناها في بنى الروايات التي قرأناها، رواياتها خالية من حكاية تشدّ البداية بالنهاية، ولكنها ساردة من طراز خاص، تدخل مباشرة الى يوميات ابطالها، وتقتطع منها الحدث الذي يحتوي على رسالتها التي بقيت تناضل من اجلها. ومن ثم تترك قارئها الى شأنه بعد ان تكون بينت له غاياتها. ان روايتها الأخيرة جاءت في موضوعة خاصة جاءت عن «الاحتلال» الذهني الذكوري للأنثى والذي يتضح بعد غياب الرجل عن المرأة، لتبدأ مناورات ظنونها حول المرأة الأخرى التي احتلت مكانها في غيابها. صورة انثى تتخيلها وقد استحوذت على ذكرها الذي احبته وعاشت معه سنوات طوال وباتت تعرفه أكثر مما تعرف نفسها، لذلك تبدأ في تخيّل المرأة البديل التي اتخذها حبيبها بديلا عنها. تتخيل مسارات الشخصيات اللواتي يملأن القالب الذي تعرفه عنه كرجل، تعرف مساحاته، بدقائق التفاصيل، وتبدأ رحلة الظنون فيما يدور بخيالها جميع ما كانت تراها معه «قياسات متطابقة» عن كيفية معيشة تلك المرأة الغريم التي احتلت مكانها في حضن رجلها. انها تبحث عنها ولا تلقاها، لأنها تبحث عن نفسها في نفسها. صيرورة من العلاقات القياسية. تفاصيل لا يمكن الإحساس بها الا أنثى راقبت نفسها جيدا، ودوّنت ملاحظاتها عبر عملها الروائي، ملاحظات دقيقة تتمفصل في كيفية تسخير تلك المعرفة بالجنس الذكوري وكيفية مقدرتها على ان تستدرج تلك الانثى الغريم والإبقاء على ذكرها محتلا لديها، حتى لا يعود اليها وتبقيها خاسرة على الدوام. انها تتمنى ان يعود اليها يوما واحداً لتريه كيف استطاعت تجاوز اخطائها، ولكنها لن تحظ ما دامت تلك المرأة تعوضه عن حرمانه، وندمت ندما شديدا على مللها منه، يوماً ما، وهي من سلمت حبيبها « W» الى تلك المرأة التي استطاعت ان تبقيه محتلا بكامل قضّه وقضيضه. رواية بديعة شيّقة على الرغم من قصرها، انها رواية اسرار انثوية بامتياز لا تعرفها الا المرأة عن المرأة. رواية بها يقين كامل بانها تكتبها امرأة من صميمها نحو الرجل، لذلك فكهذا روايات لن يستطيع ان يصلها النقد الذكوري، إنها تحتاج الى نقد انثوي يتفهم تلك التفاصيل. ان النقاد بعيدون عن المرأة لأنهم رجال يعجبون بالرواية المكتوبة على وفق منظورهم، وحسب.

عرض مقالات: