اخر الاخبار

المفتتحُ الذكي لهذه الرواية، جملتِها الأولى، جعلتْ منها واحدة من بين أجملِ الروايات التي تأخذ القارئ الى متن الموضوع، من دون أية استطرادات. (جلست لورين تغازل خطيبي على مائدة العشاء التي استغرقتني ساعات لإعدادها)، جملة تكشف عن طبيعة العلاقات الإنسانية بين الشركاء، والأحبة.

يطارد بطلة الرواية “ماريسا بارلوت” كابوس قد حدث بعد حفلة خطبتها، ولا تستطيع نسيان مظهر جثة صديقتها اللعوب على الشاطئ. وتحاول يائسة البحث عن إجابات بأحداث الحفل الذي اقامته، حيث دَعَتْ اليه جميع معارفها، وافصَحَتْ من خلاله عن علاقة بعضهم بالبعض، عبر جمل خبرية، أعطت مفهوما واضحا عن هشاشة تلك العلاقات، والمجاملات التي تسري كنفاق اجتماعي، ليس فيه ابتسامة تعبر عن مشاعر صادقة، حيث تُخيّمْ أجواء قاتمة منذ ليلة الحفلة، وما بعدها، تكتشف أن ما حدث “بعد حلول الظلام” يحمل في طيّاته تفاصيل شريرة. “الاقتناصُ المريع والمقابلات السريّة، والمغازلة أثناء الثمالة”، وكلما تحرّت البحث، كلما شكّت بكل شيء ظنّت أنها تعرفه عن أصدقائها وخطيبها الذي تثق به وحتى نفسها.. (من المفترض أن تحتفل بزفافها القريب لكنها لا تستطيع نسيان مظهر جثة صديقتها على الشاطئ. هل سقطت؟ هل دفعها أحدهم؟ أو قامت هي بالانتحار؟). تتحرك الأضواء لتكتشف اكتشافًا صادمًا يقلب حياتها رأسًا على عقب، ويلقي بظلال من الشك على كل شيء اعتقدت أنها تعرف الكثير عن زوجها وأصدقائها وحتى عن نفسها، وليتها بقيت في غفلتها عن تلك العلاقات المتشابكة والمريبة. سوف يعهد القارئ بأن موضوعة هذه الرواية حيوية عن الشريك الذي يقدّس بيته، ويقاتل بكل السبل من أجل الحفاظ عليه، وحمايته من كل تهديد.

رواية في “ظاهرها” تتحدث عن المشاعر الحقيقية التي تنتاب أحد الأطراف عندما يباغته طرف ثالث يحاول انتزاعه منه، كي يغويه ويبعده عن المسار المختار. كلما يتقدم القارئ ليتابع بطلته “ماريسا بارلوت”، يعهدها باتت في المنطقة الخطرة، ولم يعد أمامها ان تعود الى نقطة قبل حفلة الخطوبة. حكاية امرأة تحاول ان تحتفظ بشريكها، تحاول برغم الكبرياء، برغم كل الصعوبات.. تفعل المستحيل كي لا تدع الاخريات يسلبنه منها.

لكن في “باطنها” كرواية تكتشف انها أمام محور الجريمة المنظمة (القتل بغرض الازاحة والمحافظة على الاسرار)؛ وهذا الذي أكسبها أهمية وجعلها من الكتب المهمة التي أحاطت بموضوع انساني/ قانوني، مهم، وشملت دراسة كل جوانبه دراسة بحثية معمّقة ومنقّحة والتي من شأنها اثارة اهتمام الباحثين والطلاب المهتمين بالدراسات والبحوث في مجال علم الجريمة والتحريات التي تبحث عن الجناة.

وُلِدت “إيه. جيه. بانر” في الهند، وعاشت معظم حياتها بأمريكا الجنوبية، وتخرجت من جامعة “كاليفورنيا”.. عملت في اعمالها الروائية ان لا تجعل القارئ يبتعد عن روايتها، وتعرف جيدا؛ ان من بين اسرار نجاح أية رواية هو التشويق كمتانة تسحب القارئ الى متعة الاكتشاف، وتجعله مواجها لها من أجل المعرفة، حتى يمكن تمرير رسالة المؤلف الى قارئه، لأنه يأخذه الى المحتوى الذي فيه ما يريد ان يقرأه، ويتم ارسال رسالة مليئة بالمعنى، و”هي تتغلغل في متاهات الغيرة على الزوج فمن الصعب إضاعة الحبيب، والتخلي عنه الى امرأة أخرى “خائنة زوجها مع عشيقها، وخائنة لعشيقها مع كل رجل تلتقيه، تغويه بفتنتها”.

الجمل في هذه الرواية إخبارية تستهدف تشويق القارئ ليعرف ما الذي حدث. فالمحور الرئيسي هو الغَيْرَةُ عبر الأفكار، والأحاسيس والتصرفات التي تحدث، عندما يظن الشخص أن علاقته القوية بشخص ما باتت مهدّدة من قبل طرف منافس، وهذا الطرف الآخر قد يكون مدركًا أو غير مدرك أنه الخطر عينه. لقد أدركت الكاتبة بانر أهمية تصوير تلك الغيرة من جانب المرأة، وخوفها الغريزي على شريكها. الغيرة أحيانا توقظ الوحش الساكن في أعماق كل كائن وديع.. الرؤية تقنعنابذلك التحول المتسلسل الذي يكتسح ما امامه من عقبات. حيث تعتبر “التقانة/ تقنية” وسيلة مبهرة تُستخدم في جميع مجالات الحياة في عصر الحداثة وما بعدها، فعندما نتأمل روتين حياتنا اليومية وأن “عصرنا التقني” هو عصر الابهار الذي يتطلب تفكيرا جديداً في حياتنا، وجدّيتها مع اكتشاف اسرار الكون. يمكن تعريف التقنية على أنها كل ما يقوم به الإنسان من تغييرات أو تعديلات أضافها إلى الأشياء المتواجدة في الطبيعة، بالإضافة للأدوات بمختلف أنواعها والتي قام بصناعتها لتسهيل وتنظيم الأعمال التي يقوم بها لتكون مبهرة مختلفة. نعهد فيها ان “الغيرة” الظاهرة تعني دراسة السلوك الإجرامي، والتحقيق الجنائي، بالتقصي عن العوامل ذات العلاقة بالجريمة، عن كل الأفراد بغية التوصل إلى معرفة كيف ولماذا يُقْدم المختلين عقلياً على ارتكاب الجرائم. الكاتبة “إيه. جيه. بانر” اعتمدت الاطلاع على معظم البحوث في علم الجريمة من وجهة نظر عالم “الاجتماع” وعالم “الطب النفسي”. دَرَّست علم الجريمة بصفة عامة. وبحثت كثيراً في مفهوم القضاء الجنائي، وتطبيقاته. مؤكدة على العلاقة بين السمات البيولوجية والسلوك الإجرامي. فالاستقرائية، وثقافة التحليل النفسي، تحفزان الاقتراب من الذات، وإلى التحرر من الأدوار وثقافة ما بعد الحداثة، وهي ثقافة الشعور بالتحرر الفردي الممتد إلى جميع الفئات، في زمن نجد ان قارئ الرواية قضيَّ عليه بواسطة “التك توك” و”اليوتيوب” وبالتالي بات انتحار الرواية وشيكاً، حيث يمكن للقارئ المثابر ان يهمس: بشأن النهايات في الرواية - كجنس ادبي مستقل؛ حول النهاية المغلقة ال”تقليدية”، او النهاية “المفتوحة” وحتى “الدائرية”. التي تبدأ وتنتهي بنفس الحدث والموقف”. وأحيانا النهاية العبثية. “غير متوقعة”؛ “قالت “هيدرا” لقد كانت بالفعل على قيد الحياة قبل ان أصل اليها – نهاية الرواية”.

لقد استطاع المترجم “عمر عبد الناصر” في الطبعة العربية الصادرة في 391 صفحة من القطع المتوسط عن دار “عصير الكتب” للنشر والتوزيع 2020م، تمكن من نقل تلك الشحنات التي عُدَّت السمة الإبداعية الأبرز لهذه الكاتبة صاحبة الطريقة الساحرة في التعبير والتصوير، وفي أكثر الاحايين يكون المترجم قد أوصل تفاصيل دقيقة تحملها لغة الكاتب، حينها سوف نكتشف بانها رواية مهمة جدا لما فيها من احاسيس متناقضة ومشتعلة، حوتها اللغة المشحونة التي حملها النص الجيد. (جملة مبتدأ، وتوضحها جملة خبر). وغالبا ما تكون الترجمة الجادة هي وسيلة اتصال ما بين القارئ والكاتب البعيد.

خاصة عندما تكون تلك الرواية تحمل مزيجاً من المشاعر المضطربة، والممتلئة بالمتناقضات.

للكاتبة تجارب أخرى متشابهة اعتمدت المعرفة بعلم الجريمة أيضا- مثل رواية “الحديقة السامة” رواية “الحريق”، رواية “الفتاة المفقودة”، والتي جعلت كتبها في قائمة “أمازون” للروايات الأكثر مبيعًا.

عرض مقالات: