اخر الاخبار

تأسس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934 نتيجة لتطور نضال الشعب العراقي وحركته الوطنية والديمقراطية. ويسترشد الحزب في كفاحه وفي مجمل سياسته وتنظيمه ونشاطه، بالفكر الماركسي وبدروس التجارب الاشتراكية والتراث الاشتراكي عامة، ويسعى إلى تجسيد ذلك في ظروف العراق الملموسة بإبداع، استناداً إلى دراسة عميقة لواقع مجتمعنا المعاصر وما يشهده من تطورات في الميادين كافة.

يجمع الحزب بثبات بين القضية الوطنية وقضية الديمقراطية، وينظر إليهما في إطار وحدة لا تنفصم، فهو يعمل على إقامة نظام ديمقراطي اتحادي أساسه التعددية الفكرية والسياسية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية والعامة، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، وتأمين العدالة الاجتماعية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، الدولة المدنية الديمقراطية العصرية كاملة السيادة.

وينحاز الحزب إلى عالم العمل وقيمه، وإلى العاملين بسواعدهم وفكرهم. وهو يرى أن الدفاع عن مصالح وحقوق الشغيلة والفئات والشرائح الاجتماعية الأكثر تعرّضاً للتهميش والاضطهاد والاستغلال، هو الطريق المفضي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

سنتوقف هنا عند القضايا الآتية التي تتيح قراءتها تكوين تصور أولي عن الحزب الشيوعي العراقي، تاريخه وهويته الطبقية ومرجعيته الفكرية... الخ.

- في عام 1924، كون حسين الرحال وأصحابه جماعة تبشر بالاشتراكية، وبالماركسية تحديدا، وأصدروا مجلة (الصحيفة). وكان من أبرز ما تناولوه توضيح مفهومهم عن التقدم والتطور والحرية والمساواة، وحق المرأة في المساواة بالرجل، ودخلوا في هذا الشأن في صراع فكري مع المحافظين.

- في عام 1927 تكونت في البصرة أولى الحلقات الشيوعية. وكان أبرز الناشطين فيها يوسف سلمان يوسف (الذي صار يعرف بفهد لاحقا)، وأخوه داود وغالي الزويد وحسن العياش. وبعد عام تكونت في الناصرية حلقة مماثلة نشط فيها يوسف سلمان يوسف (فهد) أيضاً، وأخوه داود وحسون جار الله وإخوانه ومهدي وفي، وآخرون.

- في عام 1931 أعلن في بغداد والبصرة والناصرية ومدن أخرى، إضراب عام احتجاجاً على قانون للبلديات يفرض رسوماً على بعض الحرف مما يرهق الكادحين. وقد لعب فيه الشيوعيون الأوائل، ولاسيما في البصرة والناصرية، دوراً بارزاً وقادوا تظاهرات صاخبة في هاتين المدينتين. وبسببه استشهد حسن العياش، أحد الشيوعيين الأوائل، وبهذا يكون العياش أول شهيد شيوعي في العراق.

- في 13 كانون الأول 1932 وزعت في الناصرية أول المناشير الشيوعية. وكان قد وضعها (فهد). وخطها هو ورفاقه من الشيوعيين.

- في 31 آذار 1934 انعقد في بغداد اجتماع تأسيسي للشيوعيين من مختلف أنحاء العراق، وأعلنوا توحيد منظماتهم في تنظيم مركزي واحد باسم « لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار» التي كثَّف اسمها برنامج عمل أجيال من خيرة أبناء وبنات شعبنا، من العرب والكرد ومن مختلف الانتماءات القومية والدينية والمذهبية، الذين انغمروا في إطارها. ثم منذ صيف 1935 تغير اسمه الى (الحزب الشيوعي العراقي) ليواصل نضالا مجيدا حافلا بالعزم والفداء من اجل استقلال العراق وحريته، وخير الشعب وسعادته. وقد لعب الرفيق الخالد يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس الحزب وبانيه دوراً بارزاً سواء في بناء خلايا الحزب أم في إقامة مركزه في بغداد وتأسيس الحزب. وفي نهاية ذلك العام غادر الرفيق فهد إلى موسكو للدراسة في مدرسة كادحي الشرق. فاختار المؤسسون عاصم فليح ليقود الحزب.

- وقد وزع أول منشور للحزب بعد تأسيسه في 14/3/1935، وكان يحث على النضال لتحقيق مطالب الفلاحين والعمال، وانتهى بالهتاف بسقوط الاستعمار ومعاهداته، وبحياة الجبهة الموحدة ضد الإمبريالية وضد مضطهدي الفلاحين والعمال.

- وفي 31 تموز1935 أيضاً، صدرت أول جريدة للحزب، هي (كفاح الشعب) وكانت توزع 500 نسخة من كل عدد. وكان هذا كبيراً في مقاييس ذلك الزمان لحزب سري في بلد تزيد نسبة الأميين من السكان فيه على 90%.

- منذ البداية كشف الفصيل الفتي الرائد، الملتهب حُبا للوطن ولبسطاء الناس أوراقه على صفحات جريدته الأولى السرية ( كفاح الشعب) حيث دعا في عددها الأول الى تصفية القواعد العسكرية الأجنبية وإلغاء معاهدة 1930، والى يوم عمل من ثماني ساعات وتوزيع الأراضي على الفلاحين، وتصدّر الشيوعيون العراقيون نضالات الجماهير ومعارك العمال وهبّات الفلاحين. ولعب باني الحزب الرفيق (فهد) دورا أساسيا في بلورة توجهاتهم الوطنية والتقدمية واستراتيجيتهم. وتحت قيادته صاغ الشيوعيون الشعارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصائبة والجريئة، وقادوا سعي الجماهير الحثيث والجسور لتجسيد تلك الشعارات. وبسبب الدور الكفاحي للحزب وروح اقتحام أعضائه، استشهد مئات الرفاق وبضمنهم الكثير من قادته وكوادره، يتقدمهم سلمان يوسف (فهد) وزكي بسيم (حازم) وحسن الشبيبي (صارم). وأصيب واعتقل الآلاف منهم، فكان لأعضاء الحزب تجربتهم المميزة التي يفخر بها، كنموذج للصمود والبطولة داخل السجون والزنازين وأقبية التحقيق في مواجهة ظلم وإرهاب القوى المسيطرة.

- في آذار 1944 انعقد (الكونفرنس) الأول للحزب. وبعد عام انعقد المؤتمر الوطني الأول للحزب. وفي هذين المؤتمرين اللذين انعقدا بقيادة الرفيق (فهد)، صاغ الحزب نظامه الداخلي، الذي ينظم حياته الداخلية والأسس التي تقوم عليها تنظيماته وشروط العضوية فيه. كذلك ميثاقه الوطني الذي يحدد الأهداف التي يناضل الحزب من أجلها. وأرسى المؤتمران خطة الحزب لاستقبال فترة ما بعد الحرب.

- في 12 أيلول 1944 قدمت كوادر شيوعية اغلبها يهودية بتوجيه من الحزب طلباً لتأسيس منظمة معادية للصهيونية باسم (عصبة مكافحة الصهيونية). وقد أجيزت المنظمة فعلاً ولعبت دوراً كبيراً في فضح أغراض الصهيونية وارتباطها بالدوائر الإمبريالية ومعاداتها للشعب العربي الفلسطيني. وأصدرت المنظمة جريدة علنية يومية باسم (العصبة).

- في 18 كانون الثاني 1947 القي القبض على قادة الحزب يوسف سلمان يوسف (فهد) وزكي محمد بسيم (حازم) و حسين محمد الشبيبي (صارم) عضوي المكتب السياسي وكوادر أخرى. وحكم على (فهد) ورفيقيه (حازم) و (صارم) وإبراهيم ناجي بالإعدام وعلى الآخرين بأحكام ثقيلة إلا إن الضغط الشعبي وضغط الرأي العام العالمي، حوّل حكم الإعدام إلى السجن المؤبد.

- واثر تعاظم الحركة الجماهيرية، لاسيما الإضرابات العمالية التي كان يقودها الحزب، سارعت الحكومة العراقية إلى إعلان الأحكام العرفية في 15 أيّار 1948 بحجة حماية مؤخرة الجيش الذي أرسل إلى فلسطين، وذلك لضرب إضرابات وتظاهرات العمال والطلاب، والحد من نشاط الحزب والقوى الديمقراطية. ووجهت أجهزة الأمن بهذه المناسبة، أعنف ضربة ضد الحزب إثر خيانة احد كوادره. وقد اعتقل على أثرها أبرز القائمين على نشاطه.

- وانتهز الحكم الملكي هذه الفرصة، وأعاد محاكمة فهد وزكي محمد بسيم وحسين محمد الشبيبي في مجلس عرفي عسكري في ظل الأحكام العرفية، وذلك خوفاً من فهد ورفيقيه في توجيه العمل القيادي للحزب والحركة الديمقراطية من داخل السجن، وما يشكله ذلك من تهديد للنظام القائم. وقد حكم المجلس العرفي على القادة الثلاثة بالإعدام، ونفذه فيهم في 14و15 شباط 1949 برغم الاحتجاجات الواسعة من جهات دولية ديمقراطية. ويمجد الشيوعيون العراقيون ذكرى استشهاد القادة الثلاثة في 14 شباط من كل عام باعتباره (يوم الشهيد الشيوعي في العراق).

- في صيف 1955 عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعاً، وانتخبت الرفيق حسين احمد الرضي (سلام عادل) سكرتيراً لها. وفي غضون عام، نجح الحزب تحت قيادة (سلام عادل) في تعزيز وحدته وتصفية الانقسامات في صفوف الشيوعيين وإتباع سياسة رصينة تعزز مواقع الحزب في الحركة الوطنية.

- وفي خريف 1956 انعقد الكونفرنس الثاني للحزب، الذي دقق سياسة الحزب، وأكد على العمل من اجل تجميع القوى الوطنية في جبهة واحدة، وأوضح موقف الحزب من القضية الكردية وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره وفي الحكم الذاتي.

- في شباط عام 1957 نجح الحزب الشيوعي في إقناع الأحزاب الوطنية القائمة آنذاك في تكوين (جبهة الاتحاد الوطني). وتألفت الجبهة من الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث العربي الاشتراكي. ونظراً إلى إن بعض الأحزاب الأخرى رفضت مشاركة الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) في الجبهة، أقام الحزب الشيوعي تحالفاً ثنائياً بينه وبين البارتي. ساعد تكوين جبهة الاتحاد الوطني في نهوض الحركة الوطنية وتحفز الشعب لإسقاط الحكم الرجعي.

- في 14 تموز 1958 نجحت القطعات العسكرية بقيادة «منظمة الضباط الأحرار» في إسقاط النظام الملكي. وكان الحزب الشيوعي يعرف موعد انطلاق هذه القطعات وغرضها، لذلك عبّأ كوادره استعداداً للأمر، واصدر توجيهات خاصة بهذا الشأن. ولهذا ما إن أعلن عن بدء الحركة، حتى انطلقت الجماهير إلى الشوارع في بغداد والمدن الأخرى، وتحول الانقلاب العسكري إلى ثورة شعبية هائلة، قضت على رموز النظام السابق، وأقامت الجمهورية. لقد كان الحزب في مقدمة المساهمين في إنجاح الثورة ومن المضحين من اجل انتصار قضية الشعب وتحقيق أهدافه عندما عبّأ وفي زمن قياسي قصير مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات للدفاع عن الثورة الفتية وبناء النظام الجمهوري.

- بعد انتكاسة ثورة 14 تموز 1958، وقيام انقلاب شباط الدموي الفاشي عام 1963، وجهت ضربة شديدة الى الحزب الشيوعي العراقي وعموم الحركة الديمقراطية في بلادنا، وأهدرت دماء قادة الحزب الأماجد حسين أحمد الرضي (سلام عادل) وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي والكثيرين من الكوادر والأعضاء والأصدقاء، ومن الديمقراطيين الآخرين. وعانى الآلاف من هؤلاء من صنوف الحرمان والآلام في سراديب التعذيب وفي السجون والمعتقلات، وفي ظل ظروف الاختفاء والحرمان من العمل، كما في المنافي، وغير ذلك من مظاهر العسف والاضطهاد.

في 3 تموز 1963 اندلعت انتفاضة معسكر الرشيد البطولية التي قادها شيوعيون من قادة الحزب، عسكريين ومدنيين، على رأسهم العريف حسن سريع، الذي استشهد بعد تعذيب فظ ومحاكمة صورية، حكم فيها بالإعدام، هو وعدد من رفاقه. وكانت الانتفاضة مثالاً على الجرأة الشيوعية والروح الاقتحامية.

    لقد فتح انقلاب شباط الأسود الباب لسلسلة من التطورات والانقلابات التي لم تسفر إلا عن إلحاق المزيد من الأذى والخراب بشعبنا ووطننا، والتي بلغت ذروتها في عودة زمرة البكر – صدام الى الحكم في تموز 1968.  وقاد ذلك الى إقامة أعتى دكتاتورية عرفها العالم المعاصر تربع على قمتها لاحقا صدام حسين.

- في آب 1964 عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعاً كاملاً وانتخبت الرفيق عزيز محمد سكرتيراً لها، وكذلك مكتباً سياسياً.

- وفي كانون الأول 1967 انعقد في (داربسر) في اربيل، الكونفرنس الثالث للحزب بحضور (57) رفيقاً، واتخذ قرارات هامة لتعزيز وحدة الحزب.

- في عام 1970 عقد الحزب مؤتمره الوطني الثاني في كردستان. كما عقد المؤتمر الوطني الثالث في عام 1976 في بغداد.

- تصاعدت الحملة القمعية ضد الحزب بعد اجتماع لجنته المركزية في آذار 1978، الذي وجه نقدا شديدا للسلطة الحاكمة ولحزب «البعث» الحاكم حينذاك. وفي أيّار 1978 أقدم النظام على إعدام 31 مواطنا من العسكريين والمدنيين، شيوعيين وأصدقاء للحزب، بحجج واهية، وشن حملات ملاحقة واعتقالات واسعة ومتواصلة.  ومارست أجهزة النظام القمعية أشكالا متنوعة من القمع والتعذيب وانتزاع البراءات والتصفية الجسدية في مختلف مناطق العراق، واقترن كل ذلك بحملة إعلامية تضليلية واسعة ضد الحزب.

- في تموز 1979 قررت اللجنة المركزية للحزب قطع العلاقة مع النظام والانتقال الى صفوف المعارضة والعمل على إنهاء نظام صدام حسين الدكتاتوري، وأكدت ان لا منجى للشعب والبلاد من هول الإرهاب والخراب الذي القي فيهما، إلا بإسقاطه والخلاص منه. وجسّد الحزب توجهه هذا بتبني أسلوب الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية وتأسيس حركة الأنصار الذين خاضوا من 1979 الى 1989 قتالاً بطولياً مشهوداً، مع إخوتهم من بيشمركة الأحزاب الكردستانية، ضد قوات النظام الغاشم ومرتزقته. كما جسده أيضا في العمل السري والتعبوي والتحريضي وتنظيم حملات التضامن الواسعة لدعم نضال شعبنا من اجل السلام وضمان حقوق الإنسان والديمقراطية. ونشط الحزب في إقامة العلاقات مع قوى المعارضة العراقية على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية والقومية وساهم بنشاط وحيوية في الجهود الرامية الى جمع القوى المعارضة للنظام في اطر جبهوية وتنسيقية لتعبئة الطاقات في المعركة ضد الدكتاتورية. وخلال هذه الفترة عقد الحزب مؤتمره الرابع في كردستان العراق خلال الفترة 10 – 15 تشرين الثاني 1985.

- في الفترة 12 - 25 تشرين الأول 1993 انعقد المؤتمر الوطني الخامس (مؤتمر التجديد والديمقراطية) الذي رسم الطريق لإعادة  بناء الحزب على أساس من الديمقراطية والتجديد، وصاغ نهج النضال ضد الدكتاتورية ومن أجل البديل الديمقراطي. وانتخب اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر الخامس التي بدورها انتخبت الرفيق حميد مجيد موسى (ابو داود) سكرتيرا لها.

- وتطبيقاً لقرارات المؤتمر الوطني الخامس، عقد الحزب المجلس الحزبي العام (الكونفرنس) الخامس عام 1995، والمؤتمر الوطني السادس عام 1997، والمؤتمر الوطني السابع عام 2001. وقد كانت هذه الفعاليات محطات مهمة على طريق التجديد والديمقراطية.

- على امتداد التسعينات وحتى انهيار النظام في نيسان (أبريل) 2003، دعا الحزب الى الرفع الفوري وغير المشروط للحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على الشعب العراقي إثر مغامرة نظام صدام الإجرامية بغزو الكويت في آب (أغسطس) 1990. كما دعا الى تطبيق قرار مجلس الأمن 688 (نيسان 1991)، وهو القرار الوحيد الذي طالب بإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وكذلك تقديم صدام وأعوانه الى محكمة دولية لمعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب العراقي والإنسانية.

- مع بوادر أزمة جديدة بين نظام صدام والولايات المتحدة، ورغم إدراكه ان الحرب هي الاحتمال الأرجح، سعى الحزب الى طرح خيارات أفضل لتحقيق التغيير، لا سيما خيار مشروعه الوطني الديمقراطي، الذي اعتمد نضال الشعب والقوات المسلحة ووحدة القوى الوطنية المعارضة، وتضمن تأمين الدعم والإسناد الدوليين الشرعيين لتحركهما، لتجنب ويلات ومخاطر الحرب والحيلولة دون احتلال وطننا.

- وبعد انهيار الدكتاتورية في 9/4/2003 واحتلال القوات الأجنبية لبلادنا، واصل الحزب نضاله في الظروف الجديدة الصعبة والمعقدة، ورأى ان السبيل الأنجع لمواجهة الأزمة الناشئة وتجاوزها، هو سبيل تشكيل الحكومة الوطنية العراقية المؤقتة واسعة التمثيل وذات الصلاحيات، والتي تنبثق عن مؤتمر وطني عام تشارك فيه أطياف الشعب العراقي السياسية والقومية والدينية والطوائف كافة. فحكومة كهذه، تنبثق عن مثل هذا المؤتمر، هي وحدها القادرة على إنجاز المهمات الصعبة والملحة الكثيرة التي تواجه البلاد، وبضمنها إعداد مشروع الدستور ومشروع القانون الانتخابي، ومباشرة الحوار مع الطرف الأمريكي حول إنهاء الاحتلال.

- في 13 تموز 2003 شارك الحزب، بشخص الرفيق حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب حينذاك، في (مجلس الحكم الانتقالي)، موضحا في الوقت نفسه ان القبول بـ»مجلس الحكم» في صيغته المطروحة حينها، والمشاركة فيه، لا يعنيان بحال اعتباره بديلاً عن الحكومة الوطنية الائتلافية المؤقتة المرتجاة. بل انه، باعتباره حلاً وسطاً، يمكن ويجب النظر إليه كخطوة في اتجاه إقامة هذه الحكومة، وجزء من التهيئة لإخراجها الى حيز الواقع على أساس برنامج وطني ديمقراطي، يخلص البلاد مما هي فيه ويضعها على طريق إقامة العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد.

- وبحثت اللجنة المركزية للحزب في اجتماعها الاعتيادي المنعقد يومي 24 و 25 تموز 2003 المهام التي تواجه حزبنا والأحزاب والقوى الوطنية الأخرى وعامة جماهير شعبنا في الوقت الحاضر، ورأت أنها تتمثل في:

  • ضمان الأمن والاستقرار وإعادة الأوضاع الطبيعية في البلاد.
  • تصفية بقايا النظام المقبور.
  • معالجة القضايا المعيشية الملحة: قضية الرواتب، عودة الناس الى أعمالهم، توزيع الحصص التموينية، استئناف مؤسسات الخدمات العامة والبلدية نشاطها الكامل.
  • تهيئة مستلزمات إجراء انتخابات حرة نزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة.
  • إعداد مشروع دستور يعرض على الاستفتاء الشعبي.
  • العمل من ثم على التباحث مع الأمريكيين والبريطانيين حول إنهاء الاحتلال.

- وفي 24/12/2004 التأمت أعمال المجلس الحزبي العام (الكونفرنس) السادس، والذي كان محطة هامة بعد إزاحة النظام الدكتاتوري لتدقيق واغتناء سياسة الحزب التنظيمية والعامة، واقر (الكونفرنس) وثيقة: توجهاتنا في السياسة الاقتصادية. وبوحي مما توصل إليه المجلس الحزبي المذكور من قرارات وتوصيات واصل الحزب المسير لتطوير حياته التنظيمية، وتعزيز بناء منظماته وصولا الى الإعداد الجماعي واسع النطاق لعقد المؤتمر الوطني الثامن.

- وخلال الفترة 10 – 13/ أيار 2007، ورغم الاختراقات الأمنية وأعمال الارهاب، أفلح الحزب في عقد المؤتمر الوطني الثامن في العاصمة بغداد، في 10 – 13 أيار 2007، وشكّل ذلك تحدياً واضحاً لقوى الارهاب والتخريب، واعلاناً واضحاً عن تمسك الشيوعيين العراقيين بخيار الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات.

وكان شعار المؤتمر هو «لنعزز صفوف الحزب، ونعمل على توحيد قوى الشعب والوطن، لإحلال الأمن والاستقرار، واستكمال السيادة الوطنية وبناء العراق الديمقراطي الفيديرالي الموحد».

وأكد المؤتمر «ان حزبنا يعبّر عن ثقته غير المحدودة بشعبنا العراقي، وبقدرته على مواصلة مسيرته، رغم كل ما يواجهه من صعوبات وعراقيل، نحو إقامة دولة المؤسسات والعدل والقانون، وإستعادة السيادة الوطنية الكاملة، وبناء العراق الديمقراطي الفيديرالي الموحد».

وبروح المسؤولية وفي أجواء الشفافية والنقاش الحر والسجال الديمقراطي، بحث المندوبون وأقروا مشاريع الوثائق المقدمة (التقرير السياسي، البرنامج، النظام الداخلي، الورقة الفكرية)، كما صادقوا على عدد من القرارات والتوصيات.

وتوقف المؤتمرون عند سبل تعزيز دور الحزب في حياة البلاد على الصعد المختلفة. واستأثرت بالاهتمام العملية السياسية وآفاق تطورها وتطلع أبناء شعبنا الى دحر الإرهاب والطائفية، وضمان الأمن والاستقرار، وتحسين مستلزمات استكمال الاستقلال والسيادة الوطنية وانهاء الوجود العسكري الأجنبي وآثار الاحتلال وبناء العراق الديمقراطي الفيديرالي الموحد.

    كما أقرّ المؤتمر الوثيقة الفكرية المهمة المشار اليها سابقاً، التي نوقشت على مدى سنوات من قبل منظمات الحزب ورفاقه، والتي كانت بعنوان «خيارنا الاشتراكي: دروس بعض التجارب الاشتراكية».

- وفي الفترة 8 - 13 أيار 2012، عقد الحزب مؤتمره الوطني التاسع في بغداد وشقلاوة (اقليم كردستان)، تحت شعار «دولة مدنية ديمقراطية اتحادية.. عدالة اجتماعية».

وكان الافتتاح العلني للمؤتمر، بحضور حشد واسع شعبي ورسمي، هو الأول من نوعه في تاريخ الحزب، وحظي بتغطية إعلامية واسعة.

وانتقل المؤتمرون بعدها الى شقلاوة في كردستان العراق لإكمال أعماله، وتوزعوا على ورشات عمل أربع لدراسة مشاريع الوثائق الأساسية المقدمة إليه: الموضوعات السياسية، برنامج الحزب، النظام الداخلي للحزب، والتقرير الانجازي.

وكانت التحضيرات إلى المؤتمر قد بدأت منذ ما يقارب السنة قبل انعقاده، بطرح وثيقتي الحزب الرئيسيتين (البرنامج والنظام الداخلي) للنقاش الداخلي والعلني، ونشرتا مع «الموضوعات السياسية» في وسائل إعلامه.

وفي أجواء من الشفافية والديمقراطية والسجال الحر للآراء، جرى تداول وثائق المؤتمر وإقرارها. وفي اليوم الأخير، في اقتراع سري مباشر، تم انتخاب اللجنة المركزية الجديدة للحزب. وشمل التجديد حوالي 47 في المئة من قوامها، وصارت ايضاً، لأول مرة، تضم خمس نساء، اضافة الى ثلاثة من الشباب دون سن الثلاثين.

- بعد شهور من أشغال اللجان المختلفة، والاجتماعات والموسعات الحزبية على مختلف المستويات التنظيمية، ونتائج وخلاصات سلسلة من الفعاليات والندوات واللقاءات مع قطاعات مختلفة، التي راكمت حصيلة كبيرة من الأفكار والتصورات والمقترحات والمقاربات حول المرجعية الفكرية، والبرنامج النضالي، والرؤية الاقتصادية والاجتماعية، وحول تقييم سياسة الحزب خلال السنوات التي تلت انعقاد المؤتمر التاسع (ايار 2012)، وتحت شعار « التغيير .. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية»، وبحضور حشد كبير من المسؤولين والشخصيات السياسية والنواب وممثلي الاحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية والمنظمات والاتحادات المهنية والنقابية والجماهيرية، ومن الشخصيات الاجتماعية والدينية والمثقفين والإعلاميين والصحفيين والأكاديميين، الى جانب جمهور واسع من رفاق الحزب وأصدقائه، التأمت أعمال المؤتمر الوطني العاشر للحزب خلال الفترة 1-3 كانون الاول 2016. ولم تتقوقع النقاشات، التي جرت على مختلف الصُعد، حول واقع الحزب، وطبيعة دوره الراهن في ظل وضع سياسي مضطرب يموج بكثير من الاحتمالات والمشاهد السياسية على اهمية ذلك كله، بل ركزت الملاحظات والحوارات والوثائق المقرّة أيضا حول آفاق تطور الحزب، فكرا وممارسة، وتوسيع قاعدته في سياق التبدلات والتحولات الجارية على الصُعد المحلية والإقليمية والدولية، باعتبارها تشكل واحدا من التحديات الهامة.

وفي جلسة المؤتمر الأخيرة، في اجواء تنافس ديمقراطي، تم انتخاب اللجنة المركزية الجديدة. وفي الاجواء ذاتها انتخبت اللجنة في اجتماعها الأول يوم 4 كانون الاول 2016، الرفيق رائد فهمي سكرتيراً لها، كما انتخبت مكتبها السياسي.

- وخلال الفترة 24 – 28 تشرين الثاني 2021 عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الوطني الحادي عشر في بغداد، تحت شعار «التغيير الشامل: دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية».

افتتح المؤتمر بجلسة علنية وسط حضور رسمي وشعبي حاشد، القيت فيها كلمات وتحيات عديدة، كما وردت العديد من رسائل التحية من الأحزاب والشخصيات ومنظمات المجتمع المدني، كذلك من الأحزاب الشيوعية واليسارية في البلدان العربية والعالم.

وفي كلمته في الجلسة أشار الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب، الى أن انعقاد المؤتمر الحادي عشر يأتي امتدادا لتقاليد حزبنا منذ التأسيس في آذار 1934، ومواصلة لسعيه الى انتظام عقد مؤتمراته، كي يكون كل منها محطة إضافية للتجديد، ولتطوير الديمقراطية الداخلية، بعد الفحص النقدي للأداء، وبعد المراجعة والتقويم.

وعقدت اللجنة المركزية بقوامها الجديد اجتماعها الأول لاحقا، وفيه انتخبت الرفيق رائد فهمي سكرتيراً لها، والرفيق بسام محيي نائبا له، كما انتخبت مكتبها السياسي.

انبثقت عن المؤتمر قيادة جديدة للحزب زادت نسبة الشباب فيها على 55 بالمائة في المكتب السياسي وعلى 42 بالمائة في اللجنة المركزية، مع التوجه نحو تكثيف الجهود في صفوف النساء وزيادة أدوارهن في هيئات الحزب القيادية على مختلف المستويات.

- منذ تأسيسه اصدر الحزب العديد من الصحف على مستوى المحافظات أو على المستوى الوطني، سواء تلك السرية أم العلنية، ومن بينها: كفاح الشعب، اتحاد الشعب، الفكر الجديد، طريق الشعب التي تصدر حاليا بمعدل 3 مرات في الأسبوع. ومنذ عام 1953 يصدر الحزب مجلة نظرية هي (الثقافة الجديدة) التي تصدر حاليا بمعدل مرة واحدة كل شهرين.

- أما بشأن الهوية الطبقية، فإن الحزب الشيوعي العراقي اتحاد طوعي لمواطنات ومواطنين يجمعهم الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والجماهير الكادحة من شغيلة اليد والفكر وسائر فئات الشعب، والكفاح من اجل تأمين التطور الديمقراطي الحر والمستقل للبلاد. إنه يناضل ضد الاضطهاد السياسي والقومي والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، ومن اجل التحرر وإقامة المجتمع الديمقراطي وتحقيق التقدم الاجتماعي وبناء الاشتراكية.

- ومن حيث مرجعيته، وكما اشرنا سابقا فإن الحزب يسترشد في كفاحه، وفي مجمل سياسته وتنظيمه ونشاطه، بالفكر الماركسي والتراث الاشتراكي عامة، ويسعى إلى تجسيد ذلك في ظروف العراق الملموسة بإبداع، استنادا الى دراسة عميقة لواقع مجتمعنا المعاصر وما يشهده من تطورات في ميادينه كلها.

- وبشأن طبيعته، هو حزب ديمقراطي من حيث جوهره وأهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الاجتماعية والسياسية الأخرى. وإذ يرفض كل أشكال الحكم الاستبدادي والتسلط السياسي ومصادرة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، يعمل الحزب الشيوعي العراقي على إقامة نظام ديمقراطي أساسه التعددية السياسية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية والعامة، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، وتأمين العدالة الاجتماعية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، الدولة الديمقراطية العصرية. كما انه حزب وطني مستقل، يضع المصالح العليا للشعب العراقي والوطن فوق أي مصلحة أخرى. ويذود عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين وبقية الكادحين، وعن المطامح والمصالح الوطنية للشعب العراقي.

- والحزب مدافع ثابت عن حق جماهير شعبنا في التمتع بالحريات الديمقراطية، ومنها حرية التنظيم الحزبي والسياسي والنقابي والمهني والاجتماعي والنشر والصحافة، والتعبير عن الرأي وحرية العقيدة والاجتهاد، وكذلك التظاهر والإضراب. فكان للشيوعيين دور ريادي في تأسيس النقابات والاتحادات والمنظمات المهنية والاجتماعية والثقافية.

- وسعى الحزب على الدوام لربط السياسي من أهدافه بالاجتماعي، والوطني بالطبقي. وإذ يناضل من اجل الحرية والاستقلال وبناء الاقتصاد الوطني، فهو يدافع بثبات عن مصالح وحقوق الكادحين عمالا وفلاحين ومن شغيلة اليد والفكر عموما. وقاد الجماهير الشعبية وحفزها وشجعها للدفاع عن حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر مختلف الأشكال والوسائل.

- كما دافع الحزب مبكراً عن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره، وكان الحزب سبّاقا كذلك في إدراك الترابط بين تطمين الحقوق القومية للشعب الكردي وبين إقامة النظام الديمقراطي في بلادنا، وتجلى ذلك في إطلاق شعاره الشهير «الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان»، والذي طوره لاحقا الى مطالبته بالفيدرالية لكردستان ضمن عراق ديمقراطي موحد. ويعمل الحزب على ضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والكلدوآشورسريان والمكونات الأخرى.

- وأدرك حزبنا بعمق ارتباط النضال الوطني لشعبنا بالنضال الوطني التحرري للشعوب العربية وسائر الشعوب وقوى السلام والتقدم في المنطقة والعالم اجمع. فارتفع صوته عاليا مناصراً لقضايا الشعوب العربية الشقيقة في نضالها من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي وضد الاضطهاد والعسف. كما دافع على الدوام عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة.

- كما أسهم الحزب بقسطه في نضال البشرية وقواها الديمقراطية ضد الإمبريالية ومختلف منتجاتها متمثلة في الفاشية والنازية وغيرها، وضد الحروب ومن اجل السلام وانعتاق الشعوب وتقدمها. كما اعتبر الحزب نفسه، في الوقت ذاته، جزءاً من الحركة العالمية التي تناهض اليوم استخدام العولمة من جانب قوى الرأسمالية وسيلة لإدامة نظامها وتعظيم قدراته، وفرض إرادته على العالم وشعوبه عن طريق العنف السياسي والتدخل العسكري على حد سواء. ويربي الحزب أعضاءه وأصدقاءه بروح الأممية والتضامن مع الشعوب، ومساندة حقها في تقرير المصير واختيار النظام الذي تريد، ويناضل من اجل تثبيت القيم الإنسانية وحمايتها، ولإقامة نظام عادل للعلاقات الدولية، وحماية البيئة، وتعزيز دور المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، كي تمارس نفوذها ودورها في معالجة المشكلات الدولية، وفق قرارات الشرعية الدولية وبما يخدم مصالح السلم العالمي وحقوق الشعوب.

ــــــــــــــــــــــــــ

افتتاحية العدد 443-444 من مجلة «الثقافة الجديدة»