اخر الاخبار

في غضون أربعة عقود، بين حروب وعطش وتجريف، تحوّلت مساحات واسعة من بساتين النخيل والفاكهة في العراق، إلى أراض جرداء مصفرة. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي بدأت “أرض السواد” تفقد لونها الذي عرفت به على مدى تاريخها، ليتفاقم الأمر بعد 2003، عندما نشطت ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية في ظل أزمة السكن.

وحسب “مرصد العراق الأخضر”، وهو منظمة مدنية تعنى بالبيئة، فإن العراق كان يمتلك أعدادا كبيرة جدا من النخيل، وخلال حربه مع إيران تم قتل الكثير منها، نتيجة القصف وتجريف البساتين.

فيما أتت الأزمة المائية العاصفة اليوم في البلاد، على مساحات واسعة مما تبقى من بساتين، لا سيما في جنوب البلاد، الأمر الذي دفع أعدادا كبيرة من المزارعين إلى مغادرة مهنة الأجداد، والهجرة نحو المدن بحثا عن مهن أخرى يعيلون بها عائلاتهم.

قتل جماعي

يقول عضو “مرصد العراق الأخضر” عمر عبد اللطيف، أنه “إضافة إلى ما طالها من قصف شديد إبان حرب الثمانينيات، شهدت محافظة البصرة في التسعينيات قصفا وعمليات حرق للبساتين التي كانت تأوي معارضين للنظام المباد. وبعد 2003، بدأت عملية القتل الجماعي للبساتين، من خلال عمليات التجريف”.

ويوضح في حديث صحفي أن “50 ألف دونم من النخيل في البصرة تعرضت للتجريف وتحويل جنسها من زراعية إلى سكنية، وفي النجف، هناك نحو ألفي دونم من النخيل تعرضت للتجريف أيضاً”.

ويتابع عبد اللطيف قوله أن “مشكلة قلّة المياه وتلوّثها في البصرة، أدت إلى موت الكثير من نخيل المحافظة. إذ بدأ العدد يتناقص إلى أن وصل إلى 21 مليون نخلة - وفق وزارة الزراعة - وربما يكون العدد أقل”، مبينا أن “العراق يمتلك 350 نوعاً من التمور. وقبل عامين صدّر 600 ألف طن من التمور. لذلك يتطلب من الجهات المعنية الاهتمام بالنخيل والحفاظ عليه في عموم العراق، في ظل المجازر التي يتعرض لها، مثلما يظهر جلياً أيضاً في بغداد على طريق الدورة، حيث كان الفلاحون يتعمدون قتل أشجار النخيل لكي يقتلعوها ويحوّلوا جنس الأراضي إلى سكني”.

جدير بالذكر، أنه في أيار العام الماضي، اشتبكت عناصر من الشرطة الاتحادية مع مجموعة مسلحة في منطقة البوعيثة الزراعية في بغداد، كانت تحاول السيطرة على مساحة زراعية لبيعها على شكل قطع سكنية بمساحة 100 متر مربع لكل قطعة. حيث أدى الاشتباك إلى إصابة عدد من عناصر الشرطة.

وفي 25 شباط الماضي، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية في بيان صحفي، عن ضبط 41 متهماً، و21 مركبة حمل و8 آليات “شفل”، بتهمة تجريف أراض زراعية في محافظتيّ البصرة وديالى.

وباء التجريف!

من جهته، يقول مدير زراعة واسط، أركان مريوش، ان “أكثر الأراضي الزراعية التي تعرضت للتجريف، هي التي تقع ضمن حدود البلديات والمناطق القريبة من المدن”، مضيفا في حديث صحفي قوله: “أما أكثر البساتين التي طالها التجريف في واسط، فكانت في الكوت. إذ خسرت المدينة مئات الدونمات بسبب التفتيت والتجريف من قبل ضعاف النفوس، الذين كان البعض منهم من اللجان المتعاقدة مع دائرة زراعة المحافظة، فخالفوا القوانين والقرارات وقاموا بتفتيت الأراضي”.

ويؤكد أن “واسط تعد من أكثر المحافظات التي اتخذت إجراءات لمنع التجريف. فأي مخالفة كانت تتم إحالتها إلى القضاء، الذي بدوره يحاسب المخالف بالحبس أو التغريم. كما قامت دائرتنا بفسخ العقود الزراعية التي حصل فيها تجريف، وإحالة أصحابها إلى المحاكم”.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم - حسب تصريحات لوزير الزراعة السابق محمد كريم الخفاجي.

أما مساحة الغابات الطبيعية والاصطناعية فتشكل نسبة 6.1 في المائة من إجمالي مساحة العراق - وفقا لما أفاد به الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي عام 2020، والذي أشار إلى تدهور نسبة 69 في المائة من المساحات الزراعية بسب الجفاف وتعرض مساحات كبيرة منها للتجريف والتصحر.

تمور مهددة بالانقراض

وفي السياق، يقول أمين سر اتحاد الجمعيات الفلاحية في البصرة، توفيق علي، ان “المساحات الزراعية والبساتين في البصرة تقلصت وتحوّلت إلى مساكن، ما أدى إلى قلة النخيل وبالتالي تراجع إنتاج التمور”.

ويوضح في حديث صحفي أن “ربع مساحة بساتين النخيل في المحافظة جرى تجريفها وأصبحت مساكن، وقسم منها انضم إلى التصميم الأساسي للمدن، لأن البلديات توسعت عليها في مناطق شط العرب والنشوة وأبو الخصيب، ما أثر على المساحة المزروعة بالنخيل”.

يؤكد علي أن الكثير من التمور التي كانت مستخدمة في البصرة أو المنتجة بشكل أساسي في المحافظة، ومنها الساير والزهدي والديري والحلاوي، باتت أصنافاً نادرة، ما يهددها بالانقراض.

ويشير إلى أن “مجلس الوزراء أصدر قراراً بمنع تجريف بساتين النخيل، ووضع عقوبات شديدة على المخالفين. كما تم تشكيل لجان في كل المحافظات لهذا الغرض. وفي البصرة هناك لجنة برئاسة المحافظ وعضوية مدراء الزراعة والموارد المائية واتحاد الجمعيات الفلاحية وكل المعنيين بشؤون الزراعة، لمتابعة قضية التجريف”.

يشار إلى ان مجلس محافظة كربلاء صوّت الثلاثاء الماضي على قرار منع التفتيت والحفاظ على الأراضي الزراعية ودعم وتعضيد الإجراءات المتخذة من قبل المحافظ والسلطة القضائية بما يحقق الحفاظ على هوية كربلاء الزراعية.

وحسب إحصائيات أجريت في سبعينيات القرن الماضي، فإن أعداد النخيل في العراق كانت تبلغ حوالي 50 مليون نخلة، إلا أنّ الحروب وظروف الحصار الاقتصادي في التسعينيات، تسببت في تراجع العدد إلى حوالي 30 مليون نخلة - حسب إحصاء تقريبي أجري عام 2002. واستمر تناقص أعداد النخيل حتى وصل إلى 16 مليون نخلة فقط في عموم البلاد - وفق إحصائية أجريت عام 2014.