اخر الاخبار

تشهد بغداد ومختلف محافظات البلاد حملات تطوعية شبابية ومبادرات شعبية، لمساعدة الفقراء خلال شهر رمضان ومدّهم ببعض احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع أسعارها، والذي يتكرر سنويا في مثل هذه الأيام، بالرغم من الإجراءات الحكومية الساعية إلى السيطرة على الأسعار في الأسواق.

ومعلوم ان مبادرات التكافل الاجتماعي هذه ليست جديدة. لكنها اتسعت خلال السنوات الماضية، لا سيما في فترة كورونا وقبلها في سنوات احتلال إرهاب داعش بعض المدن، ونزوح أعداد كبيرة من العائلات عن ديارها. حيث بدأت مجموعات وفرق شبابية تطوعية ناشطة تطلق حملات لمساعدة الفقراء والنازحين، ووصل بالبعض من هذه الفرق إلى جمع التبرعات لتأمين تكاليف علاج المرضى، ممن يتطلب علاجهم السفر إلى الخارج، فضلا عن مبادرات بناء البيوت للفقراء، وغير ذلك.      

وتركزت مبادرات رمضان على توزيع اللحوم والمواد الغذائية الأساسية، وطهو الطعام وتوزيعه داخل المدن والأحياء الأكثر فقراً. وتشارك في الحملات فرق شبابية تروّج لنشاطاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبا ما تؤكد أن الهدف من نشر النشاطات هو حث الآخرين على التكافل الاجتماعي.

30 حملة في الأنبار

في محافظة الأنبار، أطلق ائتلاف من فرق تطوعية مختلفة، أكثر من 30 حملة ومبادرة تركز على توزيع الطعام والمواد الغذائية منذ بداية رمضان. ويستهدف الجهد التطوعي هذا، اليتامى والأرامل والأشخاص ذوي الإعاقة - وفقاً للمتطوعة في تلك الحملات، عائشة عبد الرحمن الدليمي، التي تقول في حديث صحفي أن “آلية حملاتنا تقوم على تشجيع الأغنياء ورجال الأعمال وأصحاب المتاجر، على التبرع، فيما نتولى نحن نقل التبرعات وتوزيعها على المحتاجين”.

وتشير الدليمي إلى أن “الحملات التطوعية من أهم عوامل تماسك المجتمع في الأنبار، وانها سبق وان ساعدت في تمكين أبناء المجتمع من تجاوز التحديات والأزمات الأمنية والاقتصادية”.

سلات غذائية في بعقوبة

ومنذ بداية رمضان، شهدت مدينة بعقوبة حملات إغاثة لدعم الفقراء بالمواد الغذائية، أطلقها متبرعون ومتطوعون شباب من أهالي المدينة.

وفي حديث صحفي يقول المتطوع في إحدى تلك الحملات، أمجاد كفاح، أنه “جمعنا أنا وأقاربي وأصدقائي مبالغ مالية واشترينا مواد غذائية ولحوماً، وزعناها على 80 عائلة متعففة”، مبينا أن التوزيع شمل مناطق الرحمة والمجمع والحديد.

ويوضح انهم يطلقون مثل هذه الحملات خلال الأزمات، قبل جائحة كورونا واثناءها وبعدها “فنحن نتبع مبدأ الناس للناس”، مؤكدا أن “حملتنا ستستمر طيلة رمضان، للتخفيف من معاناة الناس في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لا سيما اللحوم الحمراء”.

 فيما يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان هيثم رائد، أن “الغلاء أثر على آلاف العائلات في ديالى، ولا بد من خطوات وإجراءات حكومية لمعالجة الوضع المعيشي للمحتاجين”، مبينا في حديث صحفي أن “هناك مواطنين كثيرين باشروا منذ بداية رمضان بتوزيع مساعدات على العاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود والفقراء، لإعانتهم في تأمين متطلبات رمضان”.

ويرى أنه “بالرغم من ان هذه المبادرات تبعث الأمل في النفوس وترسخ التعاون بين أفراد المجتمع، لكنها لا تكفي. فالأمر يحتاج إلى تدخل حكومي، لا سيما من حيث زيادة مفردات الحصة التموينية والإسراع إلى إغاثة الفقراء والمحتاجين بسلات غذائية”.

ألف سلة رمضانية في ذي قار

وفي ذي قار، تمكن فريق تطوعي من توزيع نحو ألف سلة غذائية رمضانية على عائلات فقيرة ومتعففة، وأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ووفقا لرئيس فريق “عيون ذي قار” التطوعي، حيدر راهي، فإن السلة تتضمن مفردات متكاملة من المواد الغذائية الأساسية، كالرز والسكر والشاي والفاصوليا والزيت وغيرها، مشيرا في حديث صحفي إلى ان فريقهم مستمر في أعماله التطوعية، وأبرزها بناء المساكن وتزويج الشباب وتوفير فرص العمل وتأمين العلاجات للمرضى.

توفير الأدوية لمرضى الفقراء

ولا تقتصر هذه الحملات على توزيع المواد الغذائية، إنما شملت أيضا شراء الأدوية للمرضى، ممن لا يقوون على تأمين تكاليفها.

وفي هذا الصدد يقول الصيدلي الشاب وليد محمد من مدينة تكريت، انه وعدداً من زملائه أطلقوا حملة لمساعدة من لا يملك ثمن شراء الدواء، بدفعه كاملاً أو دفع جزء منه.

ويوضح في حديث صحفي أنه من خلال هذه الحملة، جاء تجار وميسورون ووضعوا مبالغ مالية في بعض الصيدليات، وأوصوا بدفع مبالغ علاجات الفقراء، واصفاً تلك الحملات بأنها “تُطهر المجتمع وتعزز المحبة والودّ بين الناس”.

“ركن الخيرات” في الأعظمية

وفي مدينة الأعظمية، بادر العاملون في المطعم المجاني المعروف “الشوربة خانة”، إلى تخصيص ركن أطلقوا عليه “ركن الخيرات”، يعرضون فيه مواد غذائية وسلعا يتم توزيعها على الفقراء طيلة شهر رمضان.

يقول محمد العبيدي، أحد العاملين في المطعم، أنهم يوزعون في “ركن الخيرات”، إضافة إلى المواد الغذائية، ملابس وقرطاسية وألعاب أطفال وأثاثا، مبينا في حديث صحفي أن “هذه المواد يجلبها إلينا متبرعون، ونحن بدورنا نوزعها على المحتاجين”.

ويوضح أن “المبادرة تعتمد بشكل أساسي على المتبرعين من أهل الخير، ولا تتلقى أي دعم من مؤسسات حكومية أو غير حكومية”.

حملات هذا العام تتفوق على سابقاتها

من جهته، يقول عضو شبكة منظمات المجتمع المدني في بغداد أحمد كمال، إنه يتوقع ان تتفوق الحملات التطوعية والمبادرات الخيرية في رمضان هذا العام، على كل الحملات السابقة التي شهدها العراق.

ويبيّن في حديث صحفي أن “المتبرعين يثقون بالشبان وحملاتهم أكثر من المنظمات والجهات الأخرى. لذلك، يتجاوبون معهم في التبرع والمساعدة، ويشاركونهم في التوزيع”، معتقدا أن “مبادرات كهذه تنجح في تضميد جراح المجتمع وآثار الفتن والحروب السابقة أكثر من أي جهد أو مبادرة حكومية أو سياسية”.

ويعتقد الكثيرون من المتابعين، أن سبب اتساع حملات التكافل الاجتماعي هذا العام يأتي استجابة لزيادة نسب الفقر، ولارتفاع الأسعار بالشكل الذي يُعجز القدرة الشرائية للشرائح الفقيرة وذات الدخل المحدود، ويحرمها من أبسط متطلبات العيش. 

لولاهم لما ذقنا اللحم!

وبسبب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والدواجن، ووصول سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم إلى نحو 24 ألف دينار، قام البعض من الميسورين والمتطوعين، منذ بداية رمضان، بشراء المواشي ونحرها وتوزيع لحومها على الفقراء.

وعن ذلك تقول المواطنة أم جلال (56 عاماً)، انها وعائلتها أكلوا اللحم ثلاث مرات منذ بداية رمضان، بفضل حملات المساعدات “فلولا تلك الحملات، لما ذقنا اللحم”.

وتضيف في حديث صحفي “أجمل ما في تلك الحملات الشبابية، هي ان المتطوعين يحرصون على حفظ كرامتنا ومراعاة مشاعرنا، ولا يستعرضون بالمساعدات التي يقدمونها كما يفعل المسؤولون والسياسيون”!

وترى أن الشباب القائمين على تلك الحملات “أمل لمستقبل أفضل”.