اخر الاخبار

إن ملحمة كربلاء تجسد من الناحية الأدبية عنصر المأساة عند اغلب الأدباء و الشعراء وهي بشخصياتها واحداثها تعتبر أهم حافز وجداني تراجيدي لكل من يطلب الالهام في ابيات شعره الذي يحمل طابع الحزن سواء كان الشعر بلون الانشودة أم مقفى أو حرا كان أو قصة لتروى ويكثر اللون الحزين في التراث الشعبي العراقي المتمثل بشعر الابوذية والعتابة والزهيري والدارمي وغيره من الوان الشعر التراثي الشعبي في مدارس العراق الشعرية النادرة واشتهر القاء الكلام الحر المقفى كمهنة يمارسها فرد جوال يسمى الحكواتي وكان يستخدم الوان الشعر الشعبي في القاء القصص بشقيها المأساة والملهاة..

لم اقرأ لشاعر يصور في قصائده علاقة المسيح عيسى ابن مريم بكربلاء حتى وصلت لي المجموعة الشعرية للشاعر كامل العتابي (من تولد ذي قار/ قضاء الرفاعي - 1958) وأول ما وقعت عيني عليه هو مجموعته التي تحمل عنوان (مراثي القباب/ ط- 2023) حيث وجدت أثناء تصفحها قصيدة من الشعر الشعبي تحمل عنوان (الحسين والمسيح) جسد فيها الشاعر قصة من متبناه الابداعي يقول فيها: (وهبط المسيح في أرض كربلاء بعد استشهاد الحسين) ويسرد الشاعر في هذه القصيدة قصة من ابداعه تحكي هبوط عيسى ابن مريم نبي الله بعد حادثة استشهاد الحسين وصحبه واهله في طف كربلاء ثم يقف باحثا عن فرد من امته اسمه وهب ابن عبد الله (وهب النصراني صاحب الحسين من شهداء معركة الطف) ويجسد الشاعر علاقة وهب الروحية بالقضية الحسينية وكأنها علاقة صراع بين الخير والشر ووجوب التحول لنصرة الخير في هذا الصراع ضد أي شر محدق كيزيد اللعين وجنده:

وهب لبى الحسين بعالم الارواح

مشعر كربلائي إبين الانصار

أن الشاعر هنا يؤصل لمبدأ اعظم من المباديء العقائدية الا وهو الجانب الانساني الذي يعبر فوق جميع المعايير والاعتبارات سواء كانت عقدية ام تاريخية ام قومية أو سياسية فالجانب الانساني هو سمة العقلاء والحكماء وهذا أن دل فعلى سلامة فطرة الشاعر وثقافته العالية وحسه الوطني وضميره الانساني المرهف:

هبط عيسى المسيح بشاطي الطفوف

فتش عن وهب وانجيلهم شار

شاف الجثة ٱية وگال قربان

وشم عطر العرس ما شم الاغبار

ولملم دمع عينه بجفن محتار

اوكف صوب البيوت التشتعل نار

سمع صوت الصليب بٱه واشجان

وسمع وحي الرسالة التنطق اسرار

 يعتقد الشاعر كامل العتابي بأن صفة الحزن قد رافقت السيرة الذاتية لعظماء أهل البيت والانبياء وقد وظف لأجل هذا الأمر كثيرا من الاحداث التاريخية والنصوص الدينية فما كان يخالجه من تعاطف وحزن ووجدان في اغلب سني حياته جعل بؤرته «كربلاء» التي انطوى فيها كل حزن الكون ومأساته وجعلها نقطة الانطلاق والبداية لتأبين أهل البيت وسرد المراثي بحقهم ودعم القصائد المنبرية لأجل استمرار هذا اللون الشعري الحر في هذه «البحبوحة» الزمنية بعد معاناة من القمع المذهبي والطائفي على يد طغاة الحكم والسياسة وفي هذه «البحبوحة»لم تسلم العمائم والمدارس الدينية من التلوث بشبهات الفساد المادي والانغماس في الملذات واستغلال الانفلات وغياب الرقيب بعد أن كانت مشهورة بالورع والتقوى والتقشف والعزلة عن الأمور السياسية٫ فيرى الشاعر هنا أن قبة الحسين عليه السلام تمثل في هذا العصر عباءة لستر عورات الدين وممثليه امام المجتمع بافرادهم وشخوصهم ومؤسساتهم والاحزاب التي ينتظمون تحت لواءها وقد التقت جميع أصول الدين بعد أن تفرقت بالفرع (الفقهي) عاشوراء كنايةً:

عباية دين گبتك ساترة إعلة الدين

لمت كل اصولة بفرع عاشوره

ومن باب توظيف النص التاريخي اطرد الشاعر في وصف محبي السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بمجموعهم ليمثلوا جسرا لها تعبر به شط الفرات لتشاركهم مراثيهم على ولدها الحسين في كربلاء فتبكي وتندبه معهم:

نذرنة حروفنه لطفك يابو الاحرار

وللزهرة الزچية ضلوعنا المعبر

كما واستخدم الشاعر الجناس في توظيف بعض صور النص القرٱني لايصال ما يروم إليه ويشعر به من حزن فوصف ماء الفرات وكأنه الحبر لدواته التي يكتب بها حروف قصائده الوجدانية وعتبه الشديد:

وكتبنه إعله الفرات بكثر مايه إعتاب

وشفنه على الجروف اهموم تتطشر

ويتجسد مصداق الكثرة في العتب كما في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)/ لقمان)

ولا يتوقف الشاعر عند هذا الحد في استخدام الجناس وتوظيف الشكل القرٱني في نفس القصيدة فيقول واصفا يزيد اللعين:

رجما من جهنم فتوته إبعاشور وتبت كل إديكم يا نسل مكر

وهذا الشكل ورد في قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) فمهما كانت مرارة طعم المياع وحرارتها بالنسبة ليزيد والفسقة من جنده والتي لا تروي عطش من القي في جهنم وان كثرت كميتها عقابا على ما حل بالحسين بأمر من يزيد بقطع المياه عنه وحصاره كي يموت عطشا هو وعياله فأن حلاوة معرفة الحسين والسير على منهجه والتأسي بما حل به من مٱسي لهو الذ من السكر بحسب وصف الشاعر:

سلالة شوگ تحلة شما تمر إتزيد

وبالماي النشربة احسينة إمشكر

وتبقى خدمة الحسين بحسب وصف الشاعر لها بانها الذ من السكر والشهد لمحبيه واتباع منهجه ومن يحيي مراثيه ويندبه.. وعلى الرغم من ان عنوان هذه السلسلة الشعرية كان (مراثي القباب) أي أن محتواها يعبر عن (الحزن) ولكن الشاعر اراد أن يضفي طابع التغيير بوضعه قصيدة شعرية تعبيرا عن مشاعر الفرح التي تخالجه بمناسبة ولادة الزهراء فكتب:

محمد بيك رب العرش باهى اليوم

وملائكة السمه بخبر تتباره

واهل سبع الشداد إوياك فرحانين

يازهرة حياته الزهت بأقماره

وكعادة الوالهين بالعشق الحقيقي فلم يتوانى الشاعر بوصف نفسه كمجنون في حب الشهادة في سبيل الحق الذي جسده الحسين فقال:

انا المجنون چن عابس بيوم الكون

تسحگني الحوافر والجروح اكبار

وتتمثل عبقرية الشاعر كامل العتابي في عظمة (مراثي القباب) في صورة شعرية لم يحرك وجداني مثلها الا حينما استمع لقصائد كاظم اسماعيل الگاطع والمبدع سمير صبيح. فكانت ابياته تصدح بخطاب عتاب مباشر لوصف حاله الثائرة التي جادت بما يفوق الوصف لمجموعة من الابيات مكتملة البنيان ورائعة التفعيل ودقيقة في الوصف للوعة من عرف حقيقة أهل البيت عليهم السلام وتاريخهم الحقيقي الذي اجتمع الكون كله على تحريفه ربما لأن اسياد القوى الاستكبارية يخافون ان يصل كل فرد واله ومحب لهم لنفس ما وصل إليه الشاعر من حال فيدق ناقوس نهايتهم ، ولنقرأ بصمت هذا اللون الشعري الراقي منصتين لقلب العتابي وهو ينزف الما في محبة أهل البيت موظفا المصطلحات الشعبية التراثية لاحياء تراث سومر وذي قار الشعبي:

ياماي اليبرد چبد أبو الحملات؟

واسمك ياعلي ايبرد عطش چبدي

شنزفلك دمع؟! والوكت كله جروح

اشما عدهن تعدن ملن العندي

عرض مقالات: