اخر الاخبار

- هل ما زلت لينينيا؟!

سؤال تسمعه من كثيرين، وبنبرات مختلفة، منها ما يحمل سخرية وتشفياً بليدين، ومنها ما يحمل رغبة باكتشاف سر التمسك بفكرة طالما أوهم خصومها أنفسهم بفنائها واحتفوا بوهمهم هذا، ومنها ما يعكس توقاً للاستزادة من معين يسار لم يحنّط الرجل ليتخذه قديساً ولم يحذف سفره من الذاكرة، رضوخاً لأباطيل العدو الطبقي. يسار رأى التجديد في التعلم من كل صواب لينين وفي التعلم من كل أخطائه. يسار يلتقط انتباهات لينين لمسألة بناء الحزب، من نساء ورجال، يمنحون القضية كل حياتهم ولا يشغلون بها شيئاً من أوقات فراغهم فقط. يسار يرى بعينين ناقدتين كيف رفض الرجل التوافق الطبقي وأصر على قطيعة جذرية مع المستعبدِين، مع من يحرمون البشر من آدميتهم. يسار يرى كيف درس لينين جملة الظروف الذاتية والموضوعية فاقتنص اللحظة الثورية، كيف درس سلوك كل القوى القادرة على المساهمة في التغيير، من حلفاء واصدقاء بل وحتى أعدقاء، فمد جسور التعاون معهم لتغيير موازين القوى مع العدو.

يسار يتعلم من لينين العلاقة التي لا تنفصم بين حق تقرير المصير وبين حل المسألة الاجتماعية – الطبقية، علاقة لا تجد في فكرة التفوق القومي سوى خيانة للشيوعية. يسار يتعلم منه استراتيجة حماية السلم العالمي وكل التكتيكات الجريئة وغير المسبوقة التي اتبعها ضد الحرب ومشعليها. يسار يتعلم منه علاقة جدلية تجمع بين نضال اقتصادي لتحقيق ظروف عمل أحسن ودخل أعلى وخدمات مقوننة، ونضال سياسي نحو الاشتراكية وكفاح فكري يؤصل ما بقيّ نابضاً من الماركسية ويجدد ما تقادم منها، ليبني قدرته على تحديد المهام الثورية الملموسة في الظرف الملموس، كإتقان العمل في أكثر البرلمانات والنقابات والمنظمات رجعية، وكإدراك الحقيقة بأن الثورة مستحيلة بدون أزمة وطنية شاملة، لا ترضى الطبقات المسحوقة فيها العيش بالطريقة القديمة ولا يمكن للمستعبدين حينها فرض عبوديتهم على الناس كما اعتادوا. يسار يرفض العفوية ويؤكد صحة ماقاله لينين (أعطونا منظمة من الثوريين وسنقلب روسيا رأسا على عقب).

- ولكن ألا يتعارض التجديد مع التمسك بلينين؟

يجيب غوركي وكروبسكايا وجون ريد ودرجينسكي وكلارا زيتكن في كتاباتهم وحواراتهم عن السؤال فينقلون لنا كيف أكد لينين مراراً على أن الفكرة بالنسبة له ولرفاقه، أداة عمل وليست نصاً مقدساً، وإنها تتعارض مع التزمت وضيق الأفق وصبيانية المتياسرين وشيخوخة الدوغمائيين، وكيف دعا للاستفادة من الجديد في تطوير الفكرة والفعل.

ولهذا ينهل اليسار اليوم من نبع لينين، ليصحح العلاقة التي شُوهت بين الديمقراطية والاشتراكية، بين المركزية وطوعية الالتزام، بين الجمود عند تعاريف تقادمت للطبقة ودور الدولة والملكية العامة لوسائل الانتاج ومعالم الصراع الطبقي وبين واقع يشترط إجابات تتيح الاستفادة من الإستقلال النسبي للدولة قبل اضمحلالها وعن شكل المؤسسات الشعبية وأشكال التنظيم الذاتي والديمقراطية المباشرة أو التشاركية، عن الطبقة (الطبقات) التي ستدير النظام الاجتماعي البديل، عن الوقت والتدبير الذي يحتاجه تراكم النمو المطرد للتنظيم الذاتي، لتطوير ميزان القوى، للاستيلاء على الدولة والانتاج وتحويلهما.

يسار يُعْمل العقل بأسلوب لينين في فهم جوهر الصراعات الطبقية وما تعتمل فيها من حركة، ولا يخشى الاعتراف بأن الجمود عند ما رآه لينين نقيضا للتجديد، وإن المسار الثوري والعلمي يبقى في أن ننهل مما قاله ونبني عليه.

بعيد ميلاده 155 الذي يصادف اليوم، انحني في رحاب القائد الفذ، وأضع قلبي عند ضريحه زهرة وفاء، وأقول مجداً يا معلمنا على مامنحته للبشرية من خير وجمال.