يؤدي الاختلال الاقتصادي غير المتوازن إلى إرهاق المجتمع وتقييد خياراته ولهذا يخوض الاقتصاديون والمهتمون بالشأن الاقتصادي في البحث عن بدائل لإخراج الاقتصاد العراقي من طابعه الريعي الذي لم ينتج، بسبب سياسات فاشلة، واقتصاد أحادي الجانب، سوى أزمة مالية واقتصادية قاتلة، لإيجاد حلول لمعافاة هذا الاقتصاد وبدائل أكثر نجاعة من طابعه الريعي من خلال تنويع قطاعاته ومن ضمنها قطاع السياحة.
والعراق بما يمتلك من تنوع في تضاريسه الجغرافية وتاريخه الحضاري الثر ومراقده الدينية على كثرتها وجباله وأهواره وفولكلوره الشعبي وتراثه الوطني والثقافي والصناعات الحرفية الشعبية ما تجعله في مصاف الدول السياحية الأكثر جذبا إذا ما انصب اهتمام الحكومة بوضع استراتيجية توظف كل هذه العوامل من أجل تفعيل هذا القطاع الخصب الذي لو أدير بشكل كفء لأصبح قطاعا منافسا بحق لقطاع البترول. ولابد من الاعتراف أن الدولة قد التفتت إلى هذا القطاع واتخذت بعض الإجراءات لكنها كانت يتيمة ومبعثرة لم تنتج عن وعاء مالي يغذي مشاريع الموازنات المالية بما يخفف من العجز الكبير فيها.
إن بلدا يحتضن واحدة من أقدم الحضارات في العالم، ويتمتع بإمكانات سياحية هائلة تتمثل بمواقع اطلال بابل ومدينة اور القديمة والملوية في سامراء والحدباء والنمرود في الموصل إلى جانب المراكز الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية والكرخ والرصافة وسامراء ونينوى حيث تزدهر الثروات الثقافية ذات الطابع التاريخي والديني فضلا عن التنوع الجغرافي من أهوار وسهول خضراء تحيط بنهرين عظيمين وجبال شاهقة في إقليم كردستان العراق، ان هذا التنوع الجغرافي يشكل عوامل جاذبة للسائحين من مختلف دول العالم القريبة والبعيدة شريطة تفعيل وسائل الاعلام السياحي يمكن ان تلعب المركز الثقافية في السفارات العراقية دورا فاعلا في تحريك هذه الوسائل . وقد دشن العراق خطوات ملموسة في هذا المجال ففي عام 2022 حقق 9.8 مليار دولار أي ما يعادل 4.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وكان بالإمكان مضاعفة هذه الأرقام إذا ما أحسن الاستثمار في القاعدة التحتية للخدمات السياحية، وعلى صعيد الإقليم ازداد عدد السياح إلى 70 في المائة في عام 2012 وزاد من اهتمامه بهذا القطاع حتى أصبحت أربيل عاصمة السياحة العربية في عام 2014.
إن التجربة العالمية تشير إلى مدى اهتمام الدول بالقطاع السياحي ما تجعلنا نأخذ منها الدرس والعبرة فعلى سبيل المثال في تركيا يدخل إلى اقتصادها أكثر من 25 مليار دولار سنويا من قطاع السياحة وبعض الدول تعتمد على السياحة بتمويل ميزانياتها السنوية بنسبة 60 بالمائة مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام، وفي فرنسا دخل اليها في عام 2006 ،300 مليون سائح فيما دخل إلى جمهورية مصر العربية في نفس العام 6 ملايين سائح.
ان النهوض بقطاع السياحة لكي تكن موردا أساسيا ترتقي بالناتج المحلي الإجمالي ويسهم في عملية التنمية وتمويل الموازنات السنوية يتطلب الآتي:
- وضع استراتيجية واضحة لتنمية القطاع السياحي قائمة على أساس توفر البيانات الإحصائية الدقيقة كأساس لوضع الخطط القصيرة والمتوسط وبعيدة المدى تقودها ادارة كفؤة ونزيهة قادرة على تنفيذ البرامج التفصيلية ومتابعة التنفيذ.
- إنشاء وتطوير البنى التحتية والمرافق السياحية والارتقاء بمستوى خدماته وتشجيع السياحة الداخلية والخارجية والنهوض باليات وأنشطة الترويج لها عبر الأدوات الإعلامية والثقافية كالأفلام الطويلة والمسلسلات والنشرات التي تبرز المواقع الاثرية والدينية والسياحية وتحويل الأهوار إلى منتجعات سياحية عن طريق الاستثمار.
- تطوير السياحة الدينية من حيث البرامج والادارة والخدمات وإنهاء حالة الفوضى في المواسم الدينية وفرض رسوم سياحية عقلانية وضبط إيراداتها إلى خزينة الدولة وإبعاد الفاسدين خصوصا في المنافذ الحدودية.
- تأسيس مجلس أعلى للسياحة يعمل على التنسيق مع المؤسسات والمنظمات السياحية والثقافية والهيئات العلمية والأكاديمية العربية والدولية فضلا عن العراقية منها.
- السعي لتبادل الاتفاقيات مع دول الإقليم خاصة تركيا وإيران والدول العربية لتنمية السياحة الدينية والآثارية وجذب المستثمرين المحليين والأجانب وتقديم التسهيلات الكافية لهم لتطوير المرافق السياحية والفندقية.