العربي الجديد
تسعى الفصائل المسلحة في العراق لمشاركة واسعة بالانتخابات النيابية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ وتظهر هذه الفصائل اهتماماً أعلى هذه المرة من الانتخابات السابقة، وهو ما يراه مراقبون أنه سعي للاستحواذ على مزيدٍ من الامتيازات والمناصب بمفاصل الدولة العراقية.
وأفصحت الفصائل العراقية، عبر وسائل الإعلام المحلية بتصريحات لممثليها أو أعضاء منها، عن الكيانات السياسية التي تمثلها أو تدعمها، وكثفت أخيراً التواصل مع الفاعلين في المجتمع العراقي من رجال دين ووجهاء وشيوخ عشائر والمؤثرين والنشطاء. وتأتي هذه الاستعدادات الجريئة والجادة في الوقت الذي تفرض فيه الولايات المتحدة طوقاً خانقاً على هذه الفصائل وتحركاتها إلى جانب تهديدات باستهدافها بضربات جوية أميركية أو إسرائيلية.
وتتركز الأنشطة السياسية والانتخابية الحالية للأحزاب السياسية التابعة للفصائل المسلحة في محافظات وسط وجنوب البلاد، إلا أن بعضها بات ينشط في محافظات شمال وغرب العراق، بما فيها محافظات نينوى وصلاح الدين، مستغلة وجودها العسكري وعلاقاتها مع بعض وجهاء تلك المناطق، ما يؤسس وفق مراقبين لمرحلة سياسية وديمغرافية صعبة على الأهالي الذين يسكنون في تلك المناطق. وباتت فصائل مثل: منظمة بدر، عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله، جند الإمام، بابليون، حشد الشبك، أنصار الله، الإمام علي، سيد الشهداء، الجهاد وسرايا عاشوراء وآخرين، تتنافس مع الأحزاب التقليدية في مناطق جنوب ووسط العراق.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت في وقت سابق من الشهر الجاري إدراج أربعة فصائل عراقية مسلّحة حليفة لإيران على لائحة الإرهاب، وهي: حركة النجباء، كتائب سيد الشهداء، حركة أنصار الله الأوفياء وكتائب الإمام علي. وأوضحت الوزارة في بيان أن "إيران تواصل تقديم الدعم الذي يُمكّن هذه المليشيات من التخطيط لهجمات أو تسهيلها أو تنفيذها مباشرة في جميع أنحاء العراق. وشنت هذه المليشيات هجمات على السفارة الأميركية في بغداد وقواعد تستضيف قوات الولايات المتحدة وقوات التحالف، مستخدمة عادة أسماء مستعارة أو جماعات بالوكالة للتعتيم على تورطها".
وبحسب مصادر عراقية قريبة من تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم، فإن معظم الفصائل العراقية المُعاقبة وتلك التي لم تشملها العقوبات اتجهت إلى المشاركة السياسية في الانتخابات لتعويض الخسائر المعنوية التي مُنيت بها خلال الأعوام الماضية وانتهت بالعقوبات الأميركية. وقال عضو بارز في التحالف لـ"العربي الجديد"، إن "معظم الفصائل متفقة مع مرشحين مستقلين أو نواب حاليين، في سياق الدعم الانتخابي والسعي للحصول على أغلبية برلمانية لقطع الطريق على الأحزاب السياسية المناوئة لفصائل المقاومة، بما فيها التيار الصدري في حال عودته المتوقعة إلى العمل السياسي".
وأضاف المصدر، القريب من ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، أنه "خلال السنوات الماضية ومع تشكيل الحشد الشعبي، لجأت معظم القوى السياسية لتشكيل جبهات وكيانات وفصائل مسلحة. لكن الوضع تغير حالياً بعدما تمكنت الفصائل من تأمين وضعها المالي، وصارت تولّد أحزاباً جديدة وتستقطب المؤثرين في المجتمع العراقي"، موضحاً أنه "من خلال هذه المعادلة، يشهد الوضع السياسي تدهوراً غير عادي من ناحية تفريخ الأحزاب والكيانات السياسية التي تمثل أفراداً وليس مؤسسات، كما هو الحال مع أحزاب صار قادتها هم أنفسهم قادة الفصائل المعروفة، وتحولوا إلى رجال أعمال، مثل شبل الزيدي ومحمد الباوي، وهم قادة فصائل".
وتمتلك معظم الفصائل المسلحة أجنحة سياسية، حيث إن فصيل كتائب سيد الشهداء لديه حزب منتصرون، أما فصيل كتائب الإمام علي فلديه حزب حركة العراق الإسلامية، وفصيل أنصار الله الأوفياء لديه حزب اسمه كيان الصدق والعطاء وينشط في محافظات جنوب العراق، أما حركة النجباء فلم تسجل حزباً سياسياً لغاية الآن لكنها على تفاهم مع مرشحين للانتخابات المقبلة، وفق معلومات حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر قريبة من هذه الفصائل. كما أن كتائب "حزب الله العراق" أعلنت أخيراً على لسان المتحدث العسكري باسمها، المعروف باسم أبو علي العسكري، أن "الكتائب تدعم حركة حقوق" التي يقودها النائب حسين مؤنس. وتشارك "عصائب أهل الحق" بالانتخابات تحت عنوان حزب "الصادقون".
وقبل ثلاثة أسابيع، قدّم تحالف يتألف من محامين عراقيين شكوى رسمية لإيقاف تسجيل الأحزاب والكيانات السياسية المرتبطة بفصائل مسلحة، بعد أسابيع من حملات لإقصاء مرشحين من الانتخابات المقبلة. وبحسب التحالف، فإن الشكوى استهدفت فصائل "بدر وعصائب أهل الحق وكتائب الإمام علي وكتائب سيد الشهداء وكتائب بابليون، وسبع تنظيمات مسلحة أخرى"، وغالبية هذه الفصائل لديها تمثيل في التحالف الحاكم أو الحكومة التي يقودها محمد شياع السوداني. إلا أن هذه الشكوى لم تلق اهتماماً إعلامياً وسياسياً، فيما لم تُعرف نتائجها.
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ في عام 2015 "قانون تنظيم الأحزاب"، المعروف بقانون رقم 36، وهو أول قانون جرت صياغته لتنظيم عملية تشكيل الأحزاب في البلاد وعملها. وتضمّن القانون بنوداً عدة، من بينها حظر تأسيس الأحزاب على نطاق طائفي أو عنصري، وكذلك الارتباط بالخارج، وحظر مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة في العملية السياسية، لكن القانون انضمّ إلى باقي القوانين العراقية المعطلة، إذ شاركت كثير من الفصائل المسلحة في الانتخابات السابقة، سواء كانت البرلمانية أو المحلية، لمجالس المحافظات.
من جانبه، قال المتحدث باسم حركة "خدمات" (تابعة لكتائب الإمام علي ـ يتزعمها شبل الزيدي)، حسام الربيعي، إن "معظم الفصائل التي تأسست في العراق، انضوت تحت إمرة هيئة الحشد الشعبي، بالتالي فإن هذه الجهات تابعة لجهة حكومية تنفذ أوامر القائد العام للقوات المسلحة وهو رئيس الحكومة، وأن الأحزاب التي انطلقت من هذه الفصائل مسجلة رسمياً لدى الدولة العراقية، ومجالسها السياسية يديرها مدنيون وليس عسكريين"، وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أعضاء القيادة في معظم الأحزاب الجديدة والتي يُشار إلى أنها تابعة للفصائل، لا علاقة لهم بالفصائل، بل هم موظفون وإداريون وسياسيون، بالتالي هناك فصل واضح بين الفصائل والأحزاب التي انبثقت منها".