اخر الاخبار

لقد عرفت بلاد النهرين التنظيم الإداري وفقاً لصورة اللامركزية الإدارية الإقليمية او المحلية منذ القدم، فها هو حمورابي سادس ملوك السلالة البابلية الأولى قد أقر بهذا التنظيم من خلال إيجاد وظيفة (الخازنو) أي المحافظ المعين من قبل الملك وفي ذلك مثلبة اذ يتوجب انتخاب المحافظ من الجماهير لكن الكثير من النظم السياسية المعاصرة والتي تتبنى نظام اللامركزية الإدارية الإقليمية تعتمد مبدأ التعيين لاسيما تلك التي تطبق مبدأ الفصل الجزئي كطريقة للتنظيم مثل دولة مصر، ويساعد (الخازنو) مجلس (الشيبوتوم) أي مجلس الشيبة المنتخب أعضائه من سكان الوحدات المحلية.

وما أستقر عليه الرأي القانوني ان الديمقراطية السياسية تكون نظاما أجوفا خاليا من عناصر ديمومة الحياة ما لم تصاحبها ديمقراطية محلية تعمل على توفير حاجات السكان المحليين من خلال الممثلين المنتخبين وتمتع الوحدات المحلية بالاستقلال الإداري والمالي والشخصية المعنوية وممارسة الأعمال والمهام الموكلة في ظل الرقابة لضمان حسن التنفيذ، وبمعنى أقرب ان سكان الوحدات المحلية بمختلف مسميات تلك الوحدات (المحافظة، القضاء، الناحية، البلدة، القرية) سيتولون عملية تلبية الحاجات وتحقيق التنمية من خلال ممثليهم وسيكون لديهم موارد ذاتية ومركزية يتمتعون بها لتحقيق ما ذكر أعلاه لاسيما وان الوحدات المحلية في الدول المتقدمة هي من تضطلع بمهام أكثر من 70 بالمائة من عملية التنمية حتى ظهرت لنا مصطلحات تؤكد على أهمية دور الوحدات المحلية مثل مصطلح توطين التنمية المستدامة والذي يعني إضفاء الطابع المحلي على أهداف التنمية المستدامة، وظهرت لنا منظمات دولية تُعنى بالشأن المحلي مثل منظمة المدن المتحدة والتي مقرها في لشبونة عاصمة البرتغال.

لذلك يستغرب كاتب هذه السطور من بعض الدعوات لإلغاء الوحدات المحلية بحجة أنها أصبحت أحد أوجه الفساد، ولو قدر لهذه الدعوات النجاح وهذا أمر شبه مستحيل لأن الوحدات المحلية وتنظيمها مقر دستورياً وقانونياً لتنازل سكان الوحدات عن حق أساسي ورئيسي وهو حق الحكم الذاتي والمشاركة في اتخاذ القرار وتلبية الحاجات والرغبات ذاتياً من خلال الممثل الذي سيكون قريبا منهم بحكم سكنه بالدائرة الانتخابية.

والأصوب لتلك الدعوات ان تنادي بإصلاح صورة اللامركزية الإدارية الإقليمية وأول صور هذا الإصلاح هو ضرورة وجود نظام انتخابي فاعل بعيد عن تحكم القوى السياسية الكبرى، نظام يتمتع بالسهولة والفاعلية في إيصال المطالب.

لذلك وصف أغلب الباحثين أن ممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي هي بمثابة تعلم التلميذ في المرحلة الابتدائية لمبادئ الديمقراطية وتشربه بها من خلال الانتقال عبر المراحل الدراسية فهي تسهم في إعداد نخب مهيئة ومتمرسة للعمل الإداري والسياسي وهي أي الديمقراطية على المستوى المحلية تساهم في تكوين الوعي الثقافي السياسي عبر تحميل سكان الوحدات المحلية مسؤولية الاختيار فإن كان صائباً كانت النتائج إيجابية وان كان خاطئاً وغير صائب فأنهم سيبحثون عن الأصوب في المرة القادمة لأنهم سيدفعون ثمن التعلم باهضاً فضلاً عن باقي المنافع الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية المتحققة من تطبيق الديمقراطية على المستوى المحلي .