يواجه العراقيون بصورة متنامية في حياتهم اليومية صعوبة الحصول على شروط الحياة المعيشية اللائقة وفي مقدمتها بضائع الاستهلاك اليومي الكفيلة بإدامة حياتهم وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تضاعفت بشل خطير وما زالت وبنسب تزيد عن نسبة انخفاض قيمة الدينار العراقي وهو الخطوة الأبلغ ضررا التي أقدمت عليها الحكومة العراقية وبررت ذلك في حينه بتوفير الكتلة النقدية الضامنة لتسديد رواتب الموظفين ودعم النمو الاقتصادي عبر تنشيط حوافز المنافسة في قطاع الانتاج.
نظريا، مستوى الأسعار يتحدد في السوق من خلال تقاطع منحني العرض والطلب فإذا زاد العرض وظل الطلب ثابتا فإن الأسعار تأخذ في الانخفاض إلى أن يتحدد توازن جديد والعكس إذا انخفض العرض وزاد الطلب فإن هذا المستوى سيرتفع حتى يتحقق توازن جديد وهذه القاعدة تنطبق على الطلب أيضا، غير أن العرض والطلب يتأثران بعوامل عدة من بينها تنامي عمليات التنمية الاقتصادية في القطاعات السلعية بالإضافة إلى السياسات المالية والنقدية والقيمة الحقيقية للعملة الوطنية المتداولة في السوق، فإن انخفاض قيمة الدينار العراقي إزاء الدولار أدى إلى إضعاف القوة الشرائية للمواطن من جهة وإلى ارتفاع الأسعار من جهة أخرى بالنسبة للسلع المستوردة بشكل خاص .
والحكومة بحكم صلاحياتها تتدخل في رفع أسعار بعض السلع في السوق أما لضائقة مالية وهذه ترجع إلى السياسة السعرية التي تنتهجها بعيدا عن عوامل العرض والطلب، أو لنصائح مؤسسات دولية معروفة مما تنعكس نتائجها على بقية القطاعات الاقتصادية والخدمية، فعلى سبيل المثال أقدمت الحكومة على رفع أسعار المنتجات النفطية للبنزين بنوعيه المحسن والممتاز ما قادت إلى زيادة تكاليف النقل وبالتالي ارتفاع أجور النقل بالتبعية، مع أن أسعار هذه المادة منخفضة على المستوى العالمي وخاصة الدول المنتجة للبترول. وليس بعيدا عن هذا الاجراء إقدام الحكومة على فرض ضرائب جديدة على 125 جهة في القطاع الخاص وتوسيع دائرة الغرامات والرسوم كما فعلت بعد ازمة عام 2014، والحكومة تدرك آثار هذه القرارات والإجراءات على الشرائح الاجتماعية الأوسع في المجتمع، وان تواتر هذه القرارات من حيث نتائجها سيزيد من عدد العراقيين تحت خط الفقر البالغ عددها حاليا 13 مليون نسمة، وتأتي في ذات الوقت من أن الدولة عاجزة عن تحسين الخدمات أو رفع الأجور والرواتب بما يقابل هذه الأعباء التي فرضتها الحكومة، ولا يسع المواطنون من تحمل أعبائها الثقيلة، تأتي هذه التدابير لتوفير 20 تريليون دينار إلى موازنة 2024 من مصادر غير نفطية ألزمت الحكومة نفسها بتوفير هذا المبلغ .
إن ارتفاع مستويات الأسعار بشكل عام أو في بعض هياكلها سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدلات التضخم وحسب تصريحات وزارة التخطيط فان نسبة التضخم أقل من 7 في المائة للفترة من آب 2021 لغاية آب 2022 وهو رقم يقل عن تصريح سابق يشير إلى نسبة 8 في المائة، أما معدلات التضخم القطاعية فهي تشكل 11 في المائة في المواد الغذائية ومعدلاته في أسعار السكن والماء والكهرباء 10 في المائة وفي مستوى النقل 17 في المائة أما في الخدمات الطبية والصحية فتبلغ 28 في المائة بالمقارنة مع تموز في عام 2019 ولنتصور معا الأعباء المعيشية التي تتحملها الطبقة المتوسطة أو الفقيرة سواء بسواء .
ويتضح مما تقدم ان أسعار المواد الاساسية اجمالا قد ارتفعت، ومن ذلك كله يتبين حجم الخلل في السياسة الاقتصادية للدولة وبضمنها السياسة التجارية، مما يتعين وضع استراتيجية واقعية قابلة للتنفيذ في مختلف جوانب الاقتصاد العراقي مع وضع سياسة سعرية جديدة الهدف منها قبل أي شيء آخر رفع قدرة المواطن العراقي الفقير على تحصيل قوت يومه وضمان حقه في العيش الكريم وفقا للائحة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة والمطالب الشعبية التي يزخر بها الشارع العراقي وهذا كله لم يتحقق ما لم تكن هناك سياسة اقتصادية متكاملة مخططة لها وسائلها وأساليب تحقيقها.