تعاني معظم الدول النامية ومنها العراق من إشكالية اقتصار الصادرات على منتجات الصناعة الاستخراجية وخاصة النفط المورد الأساس للدخل الوطني، الأمر الذي أدى إلى وضع الميزان التجاري في الاتجاه السلبي وانعكاسه على وحدانية الاقتصاد العراقي مما يتطلب الاهتمام الجدي في تنويع هيكل الصادرات في قطاع التجارة الخارجية لما له من أهمية كبيرة في توفير العملة الصعبة ونفعها على الاقتصاد الوطني ومخرجاته الاجتماعية.
وتتفق العديد من الدراسات على مقاربات مشتركة وخاصة في العلاقة بين سعر الصرف للدينار العراقي مقابل الدولار في السوق الموازية الأكثر فاعلية خلال الفترة بين عام 2004 وعام 2020، وأن زيادة الاعتماد على الصادرات النفطية بشكل رئيسي أدى إلى تعميق أحادية الاقتصاد العراقي كما أظهرت أن خفض أو رفع سعر الصرف للعملات الأجنبية لا يؤثر على حجم الصادرات النفطية لكون أسعاره وكمياتها تحدد عالميا وفقا لقوى العرض والطلب، بينما يؤثر سعر الصرف الأجنبي في الحد من الاستيرادات غير الضرورية، في حين أثبت الجانب القياسي ونتائج الاستجابة الطويلة الأجل وجود تأثير غير معنوي عكسي ضعيف بين سعر الصرف والصادرات غير النفطية في العراق، واظهرت نتائج الاستجابة طويلة الأجل وجود تأثير معنوي بين سعر الصرف والاستيراد في العراق (المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية العدد 78 مجلد 21) .
وتظهر البيانات التي اظهرتها إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط تحول الميزان التجاري بالاتجاه السالب بسبب اللجوء والإفراط في الاستيرادات لتلبية الحاجات الاجتماعية الاستهلاكية وحاجات الاقتصاد العراقي وخاصة في بعض القطاعات وبالخصوص قطاع البناء والتشييد، اذ أظهرت هذه البيانات في الاستيرادات السلعية غير النفطية لعامي 2020 و2021، فعلى سبيل المثال أن قيمة الاستيرادات في عام 2020 كانت 13.836 مليار دولار ما يعادل 16.5 تريليون دينار عراقي من مختلف الدول، أما في عام 2021 فكانت قيمة الاستيرادات 10.663 مليار دولار يقابله 15.5 تريليون دينار من 9 دول عالمية، وأكثر هذه الاستيرادات من دول آسيوية، وأن قيمة الاستيرادات من الدول العربية كانت أقلها فقد بلغت 801 مليون دولار يقابلها 1.170 مليار دينار، وأن الفرق بين الاستيرادات والصادرات قد بلغت قيمته في الميزان التجاري بالاتجاه السالب 6.480 مليار دولار يقابلها 9.517 تريليون دينار .
والأدهى من ذلك أن تعاملاتنا مع دول الجوار وخاصة مع تركيا وإيران والتي تناهز عشرات المليارات فأنها تتجه بالإيجاب لصالح هاتين الدولتين تقابلها أضرار ومخاطر ملموسة منهما تخفيض نسبة الوارد من تدفقات المياه بالحدود القصوى ما وضعت العراق بدرجة عالية المخاطر، وبضمنها الاعتداءات العسكرية التركية المستمرة التي تهدد مستقبل القطاع الزراعي والاستقرار، وفي نفس الوقت السعي لعرقلة عملية الاكتفاء الذاتي التي يحاول العراق انتهاجها، فعل سبيل المثال تصريح المدير العام لمكتب غرب آسيا لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية عبد الأمير ربيهاوي في السابع من شهر حزيران الجاري بأنه على الرغم من انتاج حديد التسليح في العراق إلا أن هذا البلد لا يستطيع حظر استيراد حديد التسليح من ايران بسبب ارتفاع الطلب على هذا المنتج لافتقار العراق لتقنيات ايران في بعض المزايا المعدنية، وزاد على ذلك التحايل على الرسوم التي يفرضها العراق بالقول على التاجر الإيراني اذا توصل إلى تفاهم مع جهة عراقية تحدد مشروعا استثماريا فيمكنه الحصول على ترخيص من العراق لاستيراد هذا المنتج بدون رسوم كمركية.
وبناء على ما تقدم ولمعالجة الخلل في الميزان التجاري ومعالجة هيكلية الصادرات لابد من اتخاذ الإجراءات التالية:
- بذل اهتمام استثنائي بتنويع هيكل الصادرات وتعددية السلع المصدرة في الميزان التجاري لتوليد العملة الأجنبية التي يحتاجها العراق للمساهمة في تمويل برامج التنمية الاقتصادية.
- العمل الجدي لبناء قاعدة صناعية كأساس للصناعة التحويلية حصرا واعتماد منتجات ذات قدرة تنافسية عالية في السوق الدولية.
- رفع درجة الصادرات في الميزان التجاري خارج إطار المواد الأولية الاستخراجية وإبدالها بمنتجات صناعية تحويلية.