تعد السياسة التجارية واحدة من السياسات الاقتصادية الكلية التي تمثل في ظروف الانتعاش ركيزة مهمة لبناء اقتصاد وطني راسخ ووسيلة مهمة لتنظيم التبادل الدولي، ومن خلالها يصار إلى اقتناء التكنولوجيا الحديثة وكافة مقومات بناء اقتصاد كلي يتميز بالمرونة والقدرة على بناء عملية تنموية مستدامة وبالتالي فتح أسواق خارجية تزيد من عمليات الإنتاج وتطورها نحو الأفضل، مما يقربها من ميزان تجاري أكثر استقرارا.
إن البحث في هذا الموضوع يتطلب النظر في السياسة التجارية بوجهيها الاستيرادي والتصديري، ويؤخذ من ملامح السياسة الاقتصادية الجديدة بعد عام 2003 اتباع سياسة استيرادية منفتحة وممنهجة وأول خطوة في هذا المسار بلوغ استيرادات العراق في عام 2004 اكثر من 21 مليار دولار ووصلت في عام 2020 إلى 41 مليار دولار ليكون مجموع مبالغ الاستيرادات خلال هذه الفترة إلى 758 مليار دولار، غير أن إحصاءات وزارة التخطيط على سبيل المثال تشير إلى أن قيمة الاستيرادات في عام 2020 بلغت 15 مليار دولار استنادا إلى تصريحات هيئة الكمارك، في حين أن المباع في نافذة البنك المركزي وهو منصة مكرسة للقطاع الخاص تشير إلى ان كمية المباع 44،085 مليار دولار في نفس العام حسب إعلان البنك المركزي، وبهذا يكون الفارق بينهما 29 مليار دولار فاين ذهب هذا الفرق ؟ وإذا افترضنا أن معدل قيمة الاستيرادات السنوي وفق الرقم المتقدم فان مجموع قيم الاستيرادات خلال الفترة 2010- 2020 ستكون 150 مليار دولار وهي أرقام مشكوك بدقتها فان الفارق بين هذا المبلغ ومجموع مبيعات البنك المركزي خلال نفس الفترة والبالغة 496،9 مليار دولار يصل إلى 346،9 مليار دولار ما يعني وفق هذه الأرقام أن النافذة كانت وسيلة لتهريب العملة الأجنبية مهما كانت الغاية من وجودها بخلاف معظم الدول التي لا تعتمد مثل هذه النافذة وفق تصريح لمحافظ البنك المركزي الحالي في اذار 2015. ولهذا يؤكد خبراء الاقتصاد أن عملية ترسيخ الاقتصاد الريعي تؤدي إلى وقوع الاقتصاد في فخ الاستيراد بسبب الوفرة المالية أحيانا،
وفي مقابل الاستيرادات لا تمثل الصادرات إلا أرقاما متواضعة خارج قطاع البترول، فقد وصلت قيمة الصادرات خلال الفترة ذاتها إلى 684.8 مليون دولار، يتبين لنا الفارق الكبير بين قيمة الاستيرادات والصادرات ولهذا يكون الميزان التجاري في عجز دائم لكون الجهاز الإنتاجي متخلفا ولا يتميز بالمرونة الكافية وهناك علاقة طردية بين حرية التجارة والميزان التجاري، فكلما زادت حرية التجارة في ظروف بلادنا زاد العجز في الميزان التجاري، ولا ننسى في هذا المجال آثار سعر الصرف على الميزان التجاري فهذا السعر يشكل 94 في المائة، اما النسبة المتبقية ومقدارها 6 في المائة فتتأثر بعوامل خارجية، لهذا فان العلاقة في الحالة الأولى وهي علاقة طردية تتأثر بسبب ضعف الصادرات كما اسلفنا.
ومما هو جدير بالذكر ان التعاملات التجارية الخارجية تشكل واحدة من المواضيع التي جرى بحثها بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الامريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي في مدينة دبي، ومن بينها إعادة تنظيم التجارة على أسس صحيحة وعلاقتها بتنظيم التحويل الخارجي.
إن أي توجه لتحقيق تكامل فاعل بين سياسات الاستيراد والإنتاج لابد أن يبنى على منظومة متكاملة من الإجراءات نذكر منها:
- العودة إلى الإجراءات التي كانت تعتمدها دائرة التحويل الخارجي السابقة في مجال ضبط قانونية إجازات الاستيراد وحساب القيم الحقيقية للسلع المستوردة والقيم الحقيقية للصادرات.
- التطبيق الكامل لقانون التعرفة الكمركية رفم22 لسنة 2010 وتعديلاته وإجراء تعديلات إضافية بناء على الظروف التي افرزتها تجربة السنوات الماضية وزيادة التعرفة الكمركية على السلع التي يمكن انتاجها محليا والقابلة للتصدير وإعادة هيكلة توزيع نسب التعريفات المفروضة على المجاميع المستوردة.
- مراجعة حجم التخصيصات المالية في الموازنات السنوية لتفعيل النشاط الاستثماري من خلال زيادة نسبة المخصص للاستثمار في القطاعين الحكومة والخاص بهدف تنشيط قطاعات التصدير في الزراعة والصناعة.