اخر الاخبار

أثارت ادعاءات قادة الدول الرأسمالية والتابعة وما بينهما، والتي وصفوا فيها محاولة «اغتيال» ترامب بالعنف المنافي لقيمهم الديمقراطية، السخرية في نفوس الكثيرين، والمزيد من الشفقة على أناس متغطرسين، لم يعودوا سوى دمى تحركها الزعامات الحقيقية للعولمة المتوحشة.

فالقيم التي يدّعي هؤلاء بأنها ترفض الاغتيال السياسي، هي ذاتها التي بررت سلسلة الاغتيالات الناجحة لمعارضيهم، كباتريس لومومبا وتشي غيفارا والمهدي بن بركة وغسان كنفاني وسلفادور الليندي ومارثن لوثر كينغ وأولف بالمه والمئات غيرهم، وهي نفسها التي اُعتمدت للقيام بعشرات المحاولات لقتل قادة ثوريين، كان أبرزهم كاسترو الذي تعرض وحده إلى 638 محاولة.

وهي ذات القيم التي رُسمت بموجبها مشاريع إجهاض الوعي الوطني ووأد نضال الشعوب لتحرير ثرواتها من مخالب الإحتكارات واستثمارها في تنمية مستدامة وإسقاط أنظمة منتخبة ديمقراطياً، كما حدث في عملية أجاس 1953 ضد مصدق في إيران، وحمامات الدم في شباط 1963 بالعراق، وضد حكومات أرينز في غواتيمالا 1954، وغولانت في البرازيل 1964، وسوكارنو في أندونيسيا 1965، وسلفادور الليندي في تشيلي 1973، وتوريخوس في بنما 1977، ونوريغا في نيكاراغوا 1989، واريستيد في هايتي 1994، إضافة إلى احتلال فيتنام 1962 وغرينادا 1983 وافغانستان 2001 والعراق 2003.

ولم يكن هناك بأفضل من وليم كيسي رئيس السي اي اي، ليفضح هذه القيم حين اعترف العام 1984، بتخريب مئات المنظمات الإنسانية العالمية، ولا ما كشفته لجنة روكفلر العام 1974 عن استخدام السي اي اي للعقاقير الكيمياوية للسيطرة على عقول الناس وتحريكهم كما تشاء، إضافة إلى افتضاح تورط واشنطن بعمليات كوندور، التي راح ضحيتها 60000 من قادة العمال والفلاحين والكهنة والطلاب والمثقفين في أمريكا اللاتينية، وعمليات تعقيم نساء الهنود الحمر بأمريكا والسامر بالسويد والأبورجيين بإستراليا للقضاء عليهم.

ولعل من حق الناس اليوم أن يسألوا الرئيس الفرنسي وحليفته الإيطالية ميلوني وثالثهم الساكن في دوانغ ستريت، عن علاقة ما يتشدقون به من قيم، بإغتيال الجنرال الفرنسي أوسارس لعشرات المناضلين الجزائريين، وبنحو 46000 متظاهر حصدتهم قواته في شوارع سطيف، وبمئات المناضلين الليبيين الذين قتلهم الإستعمار الإيطالي ومثلهم من عشاق الحرية في أثيوبيا، وبعمليات الإستعباد والنهب التي قامت بها الأمبراطورية البريطانية في آسيا وإفريقيا، قبل أن تغرب عنها الشمس وإلى الأبد.

ثم هل يظن هؤلاء السادة، بأنهم قادرون على اقناعنا بقيمهم، ونحن نشاهد كيف تعيش شعوبهم نفسها، في اغتراب وتهميش وتفاوت طبقي مريع وتخريب متعمد للبيئة وتهديد جدي للسلام في العالم، وتطبيق تعسفي لسياسات تشجع على الفردانية والتعصب والتمييز العرقي واضطهاد الضعفاء والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة والنساء ونبذ التضامن الاجتماعي والسخرية من الإيثار والإخلاص والوفاء، تلك السياسات التي باتت سمة لإنظمة العولمة الرأسمالية.

هل يمكنهم أن ينكروا بأن هذه القيم، التي تبرر تحكم حفنة من الأغنياء بالعالم وبثرواته وبمليارات البشر، ليست سوى معالم عبودية معاصرة، كما وصفها ماركس بحق. وكيف يمكن أن لا تكون أبشع من حكم الغاب، حين ينشغل أصحابها بجرح في إذن مهرج معتوه، جمع ثروته من خدمة البغايا، فيما يغمضون الطرف عن إبادة جماعية مباشرة في غزة الصامدة وعن إبادة جماعية غير مباشرة لملياري فقير وجائع في العالم.

إن قيم هؤلاء، المتناقضة مع آدمية الانسان، لن يكون لها سوى منفعة واحدة، هي أن تُبقي جذوة الكفاح متقدة وتحفز البشرية على العمل تحت رايات اليسار، للتحرر من عبودية رأس المال، وتحقيق الحلم الذي ستبزغ شمسه حتماً، ولو بعد حين.

عرض مقالات: