في خضم الحراك الشعبي للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية رقم 188، استلمت رسالة غاضبة من صديق، يستفسر مني فيها عن السبب وراء دفاع اليساريين وكل قوى التقدم والعدالة، عن قانون «يخالف شرع الله» حسب تعبيره، خاصة وأن مشروع تعديل هذا القانون، سيُنصف النساء ويعطيهن امتيازات غير مسبوقة كخفض سن البلوغ إلى التاسعة، وتدبير شؤون حياتهن وفق الفقه الذي يؤمنَّ به.
وإنسجاماً مع ما اعتدنا عليه من حوار حر، طلبت من صديقي أن يحتكم لعقله حين يقرأ ردي، بعيداً عما يثيره ويفعله «البعض» قبل أيام ضد نساء محتجات، وبالتأكيد بعيداً عن رأى نائب، قام بتكفير مخالفيه مؤخراً، مذكّراً صاحبي، بالخراب الذي سيلحق بنا جميعاً، إذا ما هيمن أيتام الملا عمر والبغدادي على المشهد.
لم يكن القانون، ياصديقي، مخالفاً للشرع يوماً، بل جامعاً لنصوص الفقه المختلفة، والتي تُنصف المرأة حقاً، تلك النصوص التي خضعت وتخضع للاجتهاد على مر العصور، والتي كانت دوماً نتاج أماكن وأزمنة ورجال يستنبطونها لخدمة المؤمنين بها وتيسير شؤون حياتهم. ولهذا جاء واحداً من أفضل قوانين الأحوال الشخصية، وأداة توحيد، تُصان بها الهوية الوطنية.
ثم ألا ترى ياصديقي، بأن سريان مفعول هذا القانون على أغلبية أبناء الشعب، يقتضي أن يُّطرح لحوار مجتمعي وأن تساهم في مناقشته النخب الثقافية والعلمية والقانونية والدينية، لا أن يدبّر بليل مقايضاتِ مخجلة بين متحاصصين لا يمثلون سوى خمس الشعب، أو أن يُّسند أمره لأناس يعلنون جهاراً نهاراً بأن المرأة ناقصة عقل ودين ولا تعادل سوى نصف أدمي ولا يحق لها تبوء أي منصب يمت بصلة للولاية، ويوكلون التحكم في جميع شؤون حياتها إلى رجل، يحق له ضربها وحبسها في بيتها وتجهيلها، وأن يوقف الإنفاق عليها إن لم تعّد العلاقة معها ممتعة بما في ذلك تطبيبها وحتى دفنها، ويدفع لها أجر إرضاع أطفالها منه، وأن يطلقها متى يشاء ويتزوج عليها دون أن يُحسن العدل بينها وبين ضرائرها، وأن يكون وليها الذي يجبرها على الزواج حتى وإن لم تبلغ الحلم، ويحرمها من إرثها في الأرض، واخيراً يقتلها متى ما رأى في ذلك منفعة.
اننا نعترض يا صاحبي على قوننة التمييز والعنف ضد النساء، على تفشي الأمية الأبجدية والثقافية بينهن، على تدنى مستوى مشاركتهن السياسية وتهميشهن في الحياة الثقافية والإجتماعية وتقلص دورهن الإقتصادي، على تكريس مفهوم الهيمنة الذكورية في المجتمع، على استخدام النساء أنفسهن لبث مشاعر الإستسلام بين صفوف أخواتهن، على تكييف هذا الإضطهاد واللامساواة بأردية «معينة»، على تفعيل أبشع العادات البالية وذبح النساء كالنعاج. هل تدري ياصاحبي أن أغلبية المنتحرات هن ضحايا ما يسمى بجرائم القتل غسلاً للعار، هذا العار الذي يقرره الذكر لوحده وكما يشاء، هل زرت «مقبرة المنبوذات» في السليمانية حيث ترقد أكثر من ألف صبية قتلن «لإخلالهن بالشرف»، أو زرت «تلال الخاطئات» في ذي قار حيث يدفن الذكور ضحاياهم من نساء العائلة؟
هل اعتراضاتنا يا صاحبي، تخالف مقاصد الشريعة أم تتفق معها؟ انا أدعوك أن تعمل معنا في التصدي لأية نظرة ترى المرأة إنساناً قاصراً، ولمنع حدوث أي تراجع عن حقوقها، ولتبني مشاريع ترفع الحيف عنها وتعترف بمساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات، وأن نجد سوية لهذه البرامج أسانيد في ما توصلت له البشرية من تقدم حضاري وفي قراءة معاصرة لأحكام الدين. ولعل الخطوة الأولى أن نصون معاً القانون 188 ونمنع وأده.