تكشف مسيرة الاستثمار في العراق بعد عام 2003 أن البلاد بحاجة ماسة إلى إصلاحات اقتصادية جذرية في مختلف القطاعات مع نظام إداري رشيد وهيكلية مالية راسخة تتمتع بالمرونة في مواجهة الأزمات المالية التي قد تتعرض لها بحكم الفرادة في الريع النفطي باعتباره رغم المحاذير المؤكدة، المصدر الرئيس لتمويل الانفاق العام، واستكشاف فرص متجددة في الاستثمار وخاصة في قطاعات الإنتاج المولدة للدخل وفرص العمل لامتصاص البطالة المتفاقمة وخاصة أوساط الخريجين.
وتشير معظم الدراسات في عمليات الإصلاح الاقتصادي أن عوامل باعثة ومشجعة لطلب الاستثمار وفي مقدمتها الخراب الذي تعرضت له القاعدة التحتية سواء بسبب سلسلة الحروب والأعمال الإرهابية والتي تتطلب عملية إعادة بناء مخططة ومدروسة يضاف لها امتلاك العراق الكثير من الموارد الطبيعية مع وفرة من الكفاءات المجمدة في الداخل أو المتواجدة في دول الشتات المستعدة للعودة إلى ربوع الوطن الأم اذا ما توافرت إجراءات الجذب والاحتضان إضافة إلى وجود قطاعات يمكن ان تتحول إلى بيئة مولدة للدخل وفرص العمل اذا ما تهيئت لها بيئة استثمارية كفيلة بتنشيطها كقطاعات الصناعة والزراعة وقطاعات العقارات والسياحة وإعادة بناء القاعدة التحتية في مجالات التعليم والصحة والري والاتصالات والكهرباء والمواصلات.
ففي قطاع الصناعة على سبيل المثال فإن وزارة الصناعة تمتلك 65 شركة قائمة في مختلف القطاعات الصناعية وفي مقدمتها الصناعات التحويلية التي انتعشت في سبعينيات القرن الماضي و240 معملا صناعيا، لكنها بالجملة عانت من الإهمال والجفاء المقصود لانشغال البلد بسلسلة الحروب وأوضاع ما بعد عام 2003 التي اجتاح الوطن خلالها الاحتراب الطائفي والإرهاب، وهذه الأوضاع ألجأت الحكومة إلى الاقتصاد الريعي، وكان المفروض أن يكون لفترة محدودة لتنتقل بعدها إلى اقتصاد الإنتاج مع كل مستلزماته من التخطيط التنموي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ومغادرة سياسة الانفتاح في الاستيراد والتراجع عن سياسة الإغراق السلعي. وما ينطبق على القطاع الصناعي ينطبق على القطاعات الأخرى بحسب طبيعة كل منها.
غير أن طريق الاستثمار ليس سالكا كما نرغب أو نحب فإن أمامه طائفة من التحديات فلا معنى له دون إزاحة هذه المعوقات ومن أبرزها الإنفاق العام المضخم وغير المدروس مما كان للاستثمار النسبة الأقل من هذا الإنفاق في الموازنات السنوية، يضاف لهذا التحدي التدخل الفظ في أعمال الشركات من قبل الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون والتي لا تكترث بأوامر الحكومة، زد على ذلك النزاعات العشائرية وتدخلاتها في أعمال تلك الشركات. ولا تفوتنا الإشارة إلى الطغمة البيروقراطية الضالعة في عمليات الفساد والتلاعب بالقوانين وفق اجتهادات غريبة عن المنطق وممارسة الضغوط بقصد الابتزاز، يرافقها امتناع المؤسسات الحكومية عن تقديم التسهيلات الضرورية سواء كانت إجرائية أو مالية لأهميتها في تنفيذ المشاريع الاستثمارية وخصوصا من قبل الجهاز المصرفي المنشغل في غالبيته في التعامل بالمضاربات المالية التي ساعدت في تنشيط السوق الموازي لاسيما بالنسبة لأصحاب المشاريع الصغيرة. ومن الجدير بالتنويه إلى أن نوابا في اللجنة الاقتصادية البرلمانية ومن خلال تصريحات قد لمسوا التحول في المشاريع الاستثمارية غير المسيطر عليها إلى شركات تابعة لأحزاب متنفذة وأغلبها تفتقر إلى الخبرة وتمنح مشاريع متعددة باستثناءات حكومية عبر اتباع طرق الدعوات المباشرة بخلاف المنهاج الحكومي.
وإسهاما في مواجهة التحديات التي تواجه الأنشطة الاستثمارية نرتأى الاتي:
- الضرورة الماسة لاعتماد العدالة في توزيع الفرص الاستثمارية والشفافية في الإعلان عن المناقصات الحكومية والتقيد المشدد بشروط تلك المناقصات والتقليص إلى أدنى حد اللجوء الاضطراري وعند الاقتضاء للدعوات المباشرة منعا لتربص الفاسدين في مثل هذه المناقصات وإبعاد الأحزاب المتنفذة لاستغلالها في مزاحمة الشركات الرصينة ما ينعكس بالضرر على مصلحة البلاد والعباد.
- الاستفادة من التجربة العالمية في مجال وطرق جذب الرساميل الأجنبية خاصة الشركات العالمية المعروفة بإمكاناتها المالية الكافية وخبرتها الاقتصادية والفنية والإدارية بهدف تنشيط الاستثمارات المولدة للدخل والموفرة لفرص العمل عبر سياسات تنموية تخلق مناخات من الثقة أمام المستثمرين.