اخر الاخبار

من بين أول القوانين التي شرّعتها جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب إخوان إيطاليا اليميني المتطرف، قانون يفرض عقوبات بغرامة تصل 115000 يورو وبالسجن من 3 إلى 6 سنوات، لكل تجمع غير مرخص يحضره أكثر من 50 شخصاً لسماع الموسيقى. ويأتي هذا القانون في سياق تضييق متعدد الأشكال ضد اليسار، ابتداءً من تسخير كل وسائل الدعاية لتشويه مواقفه وما ساد فضاءات إيطاليا من أفكار الحرية والعدالة، وانتهاءً باتخاذ إجراءات قمعية مباشرة ضد بعض نشطائه.

وتسعى هذه السلطات، الخاضعة للفاشية الجديدة، أيضاً إلى بث الخوف بين الشباب من الانتماء للمنظمات اليسارية، رغم مشروعيتها القانونية، أو حتى المشاركة في فعالياتها، وتمنعها من أن تلعب أدوارها الاجتماعية في تحسين ظروف معيشة الفقراء، في محاولات مبرمجة لعرقلة بقاء أو تطور أية رموز مؤثرة وملهمة للمعدمين، الذين بلغت نسبتهم 14 بالمائة من سكان روما.

وفي الوقت الذي تمنع فيه ميلوني الموسيقى عن الناس، تروج أفلاماً لها وهي ترقص على أنغام قديمة، ربما مصداقاً لمقولة نوكفيل من " إن الطغاة أنفسهم لا ينكرون فضائل الحرية، لكنهم يريدونها لأنفسهم فقط"، فيما يركز حزبها الفاشي جهده على المنتديات الشبابية والأحياء التي تضج بالصراعات الفكرية وبالمدافعين عن الحرية وحقوق النساء والبيئة، محاولاً تغييب وعيهم وإسكاتهم بالترغيب أو الترهيب.

وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى الشبيبة المعدمة متمسكة بنهج اليسار، ينشط الآلاف منها في المصانع والحقول، متبنين أساليب دعاية معاصرة، في نشاط جماهيري يعتمد لقاء الناس، مباشرة أو عبر وسائل التواصل. وتبقى موسيقاهم وأناشيدهم وأغانيهم صادحة، تتحدى قوانين ميلوني وتجابه بقوة إجراءاتها المعادية للحرية والعدالة الاجتماعية، ويبقي شعارهم (إنها لا تريد القضاء على الفقر بل على الفقراء) يكسبهم ترحاباً متنامياً وأنصاراً جدد، يتخلون عن السلبية وينضمون للركب المتطلع للخلاص من الفاشية.

هذا الصراع الدائر منذ سنين، لا يقتصر على إيطاليا وأخواتها، إذ يمكنني ببساطة أن أغمض عيني ّ وأقرأ لك أسماء عشرات الحكومات والقوى المهيمنة في العالم، التي يشابه فعلها أفعال ميلوني، فاليمينيون متشابهون تماماً، مهما اختلفت سحناتهم وبرامجهم وعناوينهم. إنهم يوهمون الجياع والمشردين بقصور مترعة بفاخر الطعام، عسى أن ينسوا ألم الحجر الذي شدوه على البطون. ويلّقنون صبية هؤلاء كيف يجعلون من جماجمهم للعّزة سلّما، فيما ينعم صبيتهم بمدارس ومرابع آمنه وفاخرة. يجدون دوماً أبواقاً تتحدث عن إنجازاتهم وانتصاراتهم وتحاول حجب الحقيقة في زنازين وهمية لا وجود لها الاً في عقولهم. يبثون الريبة والمنافسة اللئيمة بين المبدعين، ويعمدون لتحطيم الرمز الجماهيري، كي لا يرى الناس مثالاً سوى الطغاة. يسّوقون أفكاراّ خائبة، مزينة بدقة لتناسب وعي الناس ومشاعرها وحاجاتها، ويضعون تلك الإشاعات على لسان شخصيات ومؤسسات محترمة، وهي بريئة مما يدّعون.

وفي المقابل، يقرأ اليساريون، أينما التفت، الماضي وكل التراث الثوري، قراءة نقدية، تريهم ما به من انتصارات وعثرات، متعّرفين في ضوء ذلك على ما يطور حاضرهم وينير لهم السبيل لمستقبل بهيّ، موقنين من أن تضحياتهم لن تذهب سدى. إنهم يدركون بأن اليمين أصغر من أن يصل إلى أرواحهم، أو أن يكسر فيهم نبض الحلم، فالموتى وحدهم غير قادرين على التحدي، كما قال فولتير.

في أواخر السبعينيات، تعرضت وصاحبي لضرب مبرح من شلة بعثفاشية، لأننا فقط، كنا نغني لبغداد، الشمعة التي لن تُطفأ، ونردد (وبلادي ما تطفه وغصن دم بيها)، فهل كانت تلك شلة ميلونية، أم إن جيورجيا ميلوني كانت حينها عضو شعبة!  

عرض مقالات: