تجربة اللامركزية الإدارية الإقليمية حديثة النشأة في العراق، وترجع الى العام 2003 إبان الاحتلال الأمريكي وصدور قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية والامر 71 لسنة 2004، مروراً بدستور عام 2005 وانتهاءً بالقانون رقم 21 لسنة 2008 (قانون الإدارات المحلية المنظم لعمل مجالس المحافظات). إلا ان هذه التجربة لها جذور تعود الى سيطرة الدولة العثمانية.
وتعرض القانون رقم 21 الى التعديل 4 مرات، آخرها بقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم 4 لسنة 2023 . إذ رفع عدد أعضاء مجلس محافظة بغداد على سبيل الحصر، إلى 51 عضوا، في حين ان التعديل الثالث حدد العدد كسقف أعلى بـ35 عضوا لكافة مجالس المحافظات، مع مراعاة تقليل العدد حسب الكثافة السكانية، وأن يتقاضى كل عضو امتيازات مدير عام.
المتتبع لاختصاصات الإدارات المحلية يجد ان هذه التجربة قد فرغت من محتواها، خاصة على مستوى القضاء والناحية. لذا تحولت ديمقراطية المشاركة الشعبية الى مركزية. فالمفروض ان تُجرى انتخابات لمجالس الاقضية والنواحي بعد ستة شهور من اجراء انتخابات مجالس المحافظات - وهذا ما لا نجده في العراق - لتتولى مجالس الاقضية والنواحي المنتخبة انتخاب القائم مقام ومدير الناحية اللذين يعملان على تلبية احتياجات السكان.
وفي التجربة العراقية الواقعية الفريدة، نجد ان المحافظ يُعين مركزياً القائم مقام ومدير الناحية وفقاً لقاعدة اقتسام الكعكة، حتى ان البعض يجهل بالدستور والقانون. وأخيرا غيّر احد المحافظين مدراء الوحدات المحلية، مدعياً ان التغيير حصل وفق الدستور، وفي ذلك تجن واضح وعدم معرفة بالاختصاصات والصلاحيات. لذلك أصبح القائم مقام ومدير الناحية، موظفين تابعين إداريا إلى المحافظ، وينفذان توجهاته المركزية، في حين أنه من المفروض أن يعبر كل واحد منهما عن توجهات مجلس القضاء والناحية، المعبرين بدورهما عن حاجات السكان.
لذلك ان التجربة العراقية في هذا المجال، باتت تعبر عن رغبات القوى الحزبية المهيمنة لا السكان المحليين، بل ان الانكى من ذلك هو ان مجلس الناحية الغي بالتعديل الثالث لقانون رقم 21 لسنة 2008. في حين ان الوحدات المحلية الصغيرة في الدول الغربية هي من تتولى مهمة التنمية والتطوير.
ويجب ألا ننسى أن انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة أجريت بموجب نظام التمثيل النسبي وبطريقة توزيع “سانت ليغو” المعدل، والتي تضمن سيطرة القوى السياسية المهيمنة ولا تفسح المجال للقوى الحزبية الناشئة!