على رغم الوعود المتكررة التي يطلقها المسؤولون العراقيون بتحسين واقع الكهرباء، وبصيف قادم مختلف، فإن كل الظروف والعوامل التي أدّت لفشل مشاريع "جي إي" وسيمنز السابقة في العراق لا تزال مستمرة. لا تمتلك الشركتان، ولا أي طرف عراقي أو دولي حلولاً سحرية لمعضلة الكهرباء في العراق. والحقيقة أن قطاع الكهرباء العراقي كان ولا يزال، منجماً من الذهب فاضت بركاته على سيمنز و"جي إي"، وشركات أخرى والأحزاب العراقية الحاكمة، ورجال الأعمال المرتبطون بها، وجهات حكومية أخرى.
وتشير تجربة وزارة الكهرباء أن
كافة الخطط الاستراتيجية او القريبة والمتوسطة المدى لم تتواكب مع كثرة التصريحات والآمال المخدرة التي يطلقها المسؤولون في وزارة الكهرباء فقد ذهب جزءٌ كبيرٌ - ربما يصل إلى نصف أو أكثر- مما أُنفق في الاستثمار في قطاع الكهرباء سدى. فقد كان من الممكن أن يصل إنتاج العراق من الكهرباء إلى ما لا يقل عن 40 ألف ميكا واط وهو ما يسد حاجة البلاد المتزايدة في ظل التكاثر السكاني وازدياد استهلاك الكهرباء. لكن إنتاج الكهرباء العراقي وصل في أقصى حدٍّ له إلى حوالي 23 ألف ميكا واط، مقارنة بحوالي 3 آلاف ميغا واط عام 2003، وانخفض مؤخراً إلى أقل من 20 ألف ميكا واط بسبب تراجع إمدادات الغاز الإيراني المستخدم في المحطات الغازية العراقية. ولا يُغطي هذا الإنتاج إلا أكثر بقليل من نصف الحاجة العراقية التي تُقدَّر بحوالي 35 ألف ميكا واط، مما يؤدي إلى استمرار انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في اليوم قد تتجاوز الـ 12 ساعة في ذروة ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.
أثناء زيارة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى العاصمة الألمانية برلين في كانون الثاني 2023، وقّع وزير الكهرباء زياد علي فاضل، مذكرة تفاهم جديدة مع شركة سيمنز الألمانية، تستهدف مواصلة التعاون مع الشركة في مجال إصلاح الكهرباء في العراق وتطوير هذا التعاون، حيث أصبحت الشركة فاعلاً أساسياً في هذا القطاع منذ عام 2008. وفي شباط 2023، وقَّعت حكومة السوداني على مذكرات تفاهم جديدة مع شركة جنرال إلكتريك (جي إي) الأمريكية لغرض تطوير المحطات الكهربائية وصيانتها. ولكن يبدو ان المنافسة الشديدة بين الشركتين لم تحقق ما كانت تصبو اليه الحكومة ولا تتماهى مع تصريحات المسئولين في وزارة الكهرباء ولا تتناسب قط مع حجم الاستثمارات التي رصدتها الوزارة لصالح الشركتين اللتين أريد تحقيق التوازن بينهما في توليد كميات من الطاقة كفيلة بمعالجة الأزمة التي زاملت العراقيين طوال إحدى وعشرين سنة منذ الاحتلال وقد تتصاعد التصريحات المتفائلة في الخريف القادم حيث تنخفض درجات الحرارة كما في كل عام وكالعادة تتحول التصريحات إلى بشرى للعراقيين.
وجدير بالتنويه أن العقود التي أبرمتها الحكومة ووزارة الكهرباء مع تلكما الشركتين لم تكن الوحيدة بل تم التعاقد مع شركات من ايران مصر وكوريا الجنوبية لنصب توربينات سيمنس في محطات الرميلة وبيجي ودبس وتازة ومدينة الصدر بقيمة 900 مليون دولار لكن قرار العراق في التعاقد مع شركات إيرانية في محطتي الصدر ودبس أدى إلى تأخر ارسال التوربينات لسنة كاملة بسبب رفض شركة سيمنس مع الشركات الإيرانية ابان العقوبات الاوربية على ايران حينها لهذا السبب ولعدم اعفاء الحكومة العراقية لشركة سيمنس من الضرائب وفقا لنص العقد ادى إلى تأخر وصول التوربينات للفترة المذكورة ما يعني ان الطرف العراقي لم يحسن اخذ الظروف الجيو سياسية بعين الاعتبار وهذا مثال من بين الكثير مما يعرقل معالجة الازمة .
إننا نرى أن وزارة الكهرباء مدعوة لإعادة رسم سياستها بعد إعادة تقييم عملها للفترة الماضية وتحديد مسؤولية المتسببين في الإخفاق من الوزراء السابقين ومن يقف وراء هذا الفشل ومن الممكن الاستعانة بشركات عالمية متخصصة ورصينة لإجراء التدقيقات المالية ومدي انسجام العقود المبرمة مع المعايير الدولية والتشريعات الوطنية وتحديد مقدار الهدر المالي وتحميل المتسببين المسئولية وإعادة الأموال إلى خزينة الدولة لأنها ملك الشعب.