يعد العراق من البلدان الأساسية الحاضنة لعوامل الإنتاج الزراعي رغم ما فيه من أزمة الوفرة المائية، ومشاكل داخلية وخارجية، ولكن يمتلك أراضي خصبة واسعة ما تجعله مؤهلا لخلق طفرة صناعية في مجال المنتجات الغذائية تمكنه من حل واحدة من الإشكاليات الإنسانية المتصلة بظاهرة الفقر التي تطحن عشرة ملايين عراقي ممن يقيمون تحت خط الفقر إذا ما أحسن إدارة تلك العوامل.
وهذا الموضوع يكتسب أهميته في الوقت الحاضر نظرا لتوجه البلد منذ عشر سنوات إلى استيراد مختلف أنواع المنتجات الغذائية من الخارج مما يترك آثاره السلبية من نواح عدة يأتي في مقدمتها هروب العملة الصعبة الآتية من الريوع النفطية بالإضافة إلى المخاطر الصحية الناشئة عن استيراد مواد غذائية من دول مشكوك في اهتمامها بمراقبة منتجاتها الغذائية وخاصة منتجات اللحوم مما يجعلنا في قلق دائم من سلامة هذه الأغذية لعدم توفر القدرة الكافية لدى أجهزتنا الرقابية على فحص هذه الأغذية والتأكد من صلاحيتها.
ومن المؤسف أن العراق برغم عراقة إنتاجه الكثير من المحاصيل الزراعية فان الإهمال الذي رافق الصناعات الغذائية بعد عام 2003 وما قبلها خلال فترة الحصار أدى إلى تفاقم استيراداته من المنتجات الغذائية من دول الجوار ودول بعيدة نسبيا كالهند حتى أصبح ميزانه التجاري سالبا إذا استثنينا تصدير البترول والأمثلة كثيرة كالتمور واللحوم المصنعة وبيض المائدة والزيوت النباتية والطحين وملح الطعام وغيرها من الأطعمة التي تتوفر في العراق بكثرة ولكن مصيرها التلف بسبب عدم الاهتمام بتصنيع هذه المنتجات التي إذا توفرت الإرادة الحكومية فإنها ليست كافية لسد حاجة العراق فقط وإنما تصديرها لكثير من البلدان الشقيقة والصديقة .
والحديث عن الصناعات الغذائية يضعنا وجها لوجه مع موضوع الأمن الغذائي وهو من الاستراتيجيات التي تشكل اهتمام معظم دول العالم الغنية منها والفقيرة على حد سواء فالمجاعة آفة اجتماعية تهدد الكثير من البلدان التي لم تهيئ نفسها لمواجهة الظروف المناخية الصعبة التي كثيرا ما تتعرض لها نتيجة للجفاف أو الفيضانات والعوامل المناخية المفاجئة، اليابان وإندونيسيا مثالا، وعشرات من الدول الإفريقية التي تعتاش على صدقات دول العالم ومنظمات الأمم المتحدة
كما أن بروز مشكلة النازحين هي موضوع جدلي يضاف إلى تردي الصناعات الغذائية مما يتعين تأمين الأمن الغذائي لهم، فعلى سبيل المثال في بغداد 60 الف عائلة نازحة ومن ضمنها آلاف الأطفال الذين هم بأمس الحاجة إلى توفير الغذاء الذي يتناسب مع حاجتهم العمرية، ومن هنا تأتي أهمية وجود استراتيجيات طوارئ مع الإشارة إلى أن وزارة الزراعة قد مثالا، سبق أن أعدت الإحصاء الرقمي للماشية الموجودة ونجحت في هذا المشروع الذي كان معدا من قبل منظمات الامم المتحدة وقد أفاد هذا المشروع في المعرفة بكمية المواشي وكمية المذبوح وأيضا عملية التلقيح الصناعي .
إن ذلك كله متوقف على وضع استراتيجية واضحة ومحددة الأهداف من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:
- تقديم المزيد من التسهيلات إلى أصحاب المعامل والمصانع التي تنتج المواد الغذائية على أنواعها وحثهم على توسيع استثماراتهم في هذه الصناعات من خلال منحهم القروض الميسرة وتقسيطها على فترات متباعدة مع إعفائهم من الرسوم والضرائب لفترات معقولة حتى تتوفر لديهم القدرات المالية الضرورية لدفع ما يترتب عليهم من الرسوم والضرائب.
- رفد المصانع الحكومية بالملاكات البشرية القادرة على إدارة العملية الإنتاجية والتي تمتلك خبرات كافية اكتسبتها في الداخل والخارج مع منحهم الحوافز التشجيعية.
- العمل على تحسين ظروف العاملين المعيشية وتأمين الاستقرار الوظيفي لهم والتعجيل بإصدار قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي. وتهيئة الظروف الصحية المناسبة للعاملين وحل مشكلة السكن عن طريق بناء مجمعات سكنية لائقة وقليلة الكلفة قرب المصانع.
- تفعيل دور جهاز التقييس السيطرة النوعية بإجراء الفحوصات المنتظمة وإجراء الاختبارات على نوعية وجودة المنتجات والتأكيد على فترة الصلاحية وتواريخ النفاذية لتلك المنتجات بغية تشجيع الطلب المحلي.