تحتل الضريبة دورًا أساسيًا في تحقيق الموارد المالية التي تشكل عصب السياسة المالية في البلاد. وان أهميتها الاقتصادية تتحدد في اتجاهين: الأول يتصل بإنعاش الموارد المالية بوصفها داعمة للموارد النفطية التي تشكل المصدر الأساس للموازنات السنوية، ومواجهة الأزمات التي يتعرض لها قطاع البترول في الأحوال التي يتقلص فيها الطلب على المستوى العالمي. والاتجاه الآخر هو أنها أداة مهمة في تنظيم عملية توزيع الدخل بين المواطنين.
ولكن يبدو أن الضرائب في بلادنا أصبحت بابًا من أبواب الهدر والفساد المالي، حيث تشير بعض التقارير إلى أن حجم المبالغ المهدورة في نطاق السياسة الضريبية الراهنة تجاوز 800 مليون دولار سنويا، دعك من حالات الفساد الأخرى، وأقربها ما تُسمى بسرقة القرن، حيث يشير آخر التقديرات الى أنها وصلت إلى عشر ترليونات، ولا تزال معطياتها الحقيقية غير متكاملة، وأصحابها طلقاء. وهذه الإشكاليات أفقدت الضرائب أهميتها في كونها أداة لتوزيع الموارد والدخل، فضلاً عن وظائفها الأخرى المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية ودورها في السيطرة على معدلات التضخم ومستويات الأسعار.
ومن الملاحظ الفارق الكبير بين التقديرات الضريبية والمبالغ الفعلية المتحصلة منها، ويعود سبب ذلك إلى قدم الأساليب والتقصير المتعمد أو غير المتعمد في تطبيق القوانين واللوائح الخاصة باستحصال الضريبة، الأمر الذي انعكس في ضآلة نسبة الضريبة إلى حجم الواردات في الموازنات السنوية. فعلى سبيل المثال، يُقدّر عادةً المبلغ الضريبي بين (2-3) تريليون دينار، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار، في حين أن التقديرات الحقيقية تتجاوز 7 تريليون، ما يعادل 4.8 مليار دولار. وهذا التدني يعود إلى جملة من الأسباب؛ الأول يتعلق بقدم أساليب الاستحصال الضريبي وغياب الأساليب الحديثة في رصد مصادر الضريبة وتطبيق القوانين الضريبية، والثاني يتعلق بحالات الإعفاء من دفع الاستحقاق الضريبي على الشخصيات أو الشركات الاستثمارية التابعة لجهات متنفذة في السلطة، فضلاً عن وجود شركات وهمية بأسماء أشخاص مغفلين وسذج لا علم لهم بما يُجرى. وإن تلك الشركات تقدم مبالغ متواضعة، وإن مثل هذا النوع من الشركات تلعب دورًا ليس في تخريب سوق الاستثمار فقط، وإنما تتهرب من دفع مليارات الدولارات المتراكمة. وهناك العشرات من الأمثلة، ومن بينها شركات الاتصالات التي ما زالت بذمتها مئات المليارات التي يندرج حجم ضرائبها خارج الوعاء الضريبي.
ومن الواضح أن الحكومة تدرك آثار التهرب الضريبي وحجم الموارد التي تخسرها الدولة، فقد صرح رئيس الوزراء العراقي في مؤتمر الإصلاح الضريبي المنعقد في السادس من كانون الأول من هذا العام أن هناك هدرًا في الاستحقاق الضريبي مقداره 26 مليار دولار نتيجة التهرب الضريبي. وقال في كلمة له إن إجمالي الواردات بحسب بيانات وزارة التخطيط يؤشر أن قيمة الاستيرادات 42 مليار دولار من آلات وسلع ومنتجات، وأن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء تفيد بوجود واردات بنحو 16 مليار دولار، وهذا يعني أن 26 مليار دولار لم تخضع للرسوم الكمركية والضريبة.
إن الضرائب المتحصلة بشكل واضح هي تلك المتحصلة من رواتب موظفي الدولة، كونها تستقطع من الرواتب بشكل استباقي، ولا مجال للتهرب من دفعها. أما المواطنون الآخرون، فتطبق عليهم الضرائب وفق أصحاب المهن وتجار المفرق ومكاتب العقار مثلاً، فهي مبالغ محددة وفق معايير نسبية.
ومما تقدم، فإن الضريبة تعد من الموارد التي تتطلب منظومة من الإجراءات واللوائح التي ينبغي تطبيقها بكل حزم، ونقترح من بينها:
* توسيع نطاق الوعاء الضريبي، وضبط أوضاع المالية العامة ومداخيل القطاع الحكومي والقطاعات الأخرى الخاصة والمختلطة، وحصر مصادر التمويل الخاضعة للضريبة هو الخطوة الحاسمة إذا ما تم تطبيق القوانين بدون تردد أو محاباة.
* متابعة أعمال اللجنة التي تم تشكيلها في مؤتمر الإصلاح الضريبي المنوه عنه وفقًا لقرار مجلس الوزراء في الخامس من شباط 2024.
* ملاحقة الأموال المهربة إلى الخارج أو التي تم تبييضها عبر العقارات والمولات التجارية والمستشفيات الأهلية والمدارس والجامعات الأهلية.