التصحر ظاهرة طبيعية بشرية وتشكل في حقيقة أمرها عملية هدم للطاقة الحيوية للأرض، وبمعنى آخر التدهور المستمر للأراضي الجافة نتيجة للأنشطة البشرية والتقلبات المناخية، ولهذا فالتصحر يعتبر من أخطر التحديات الإنمائية من خلال تأثيره على رفاه الانسان من جهة وعلى البيئة من جهة أخرى، ولهذه الأسباب أولت البشرية اهتماما كبيرا بمعالجة هذه الظاهرة بالغة الضرر في النواحي الاجتماعية والاقتصادية مما دفع بالأمم المتحدة إلى إنشاء الصندوق الدولي للتنمية. ولعل تضمين البرنامج الحكومي لمعالجة التصحر في العراق تعبير عن اهتمام الحكومة العراقية الجديدة بخطورة هذه الظاهرة على التنمية الاقتصادية وآفاق تطورها.
فإن الإحصائيات تشير إلى أن مساحة الأراضي المتصحرة و المهددة بالتصحر 437،5 كم2 والمتصحرة منها 166،687 كم2 اي بنسبة 38 بالمائة، أما المساحة المهددة فتقدر ب237،563 كم2 اي بنسبة 54 بالمائة وأن نسبة الأراضي المتصحرة والمهددة 92 بالمائة من مجموع مساحة العراق، ويبدو أن هذه الأرقام قد تقادمت أمام انكشاف تطورها بشكل مثير للقلق، فآخر المعطيات تشير إلى أن البلاد تخسر 100 ألف دونم سنويا بسبب التغييرات المناخية والتصحر والجفاف، وأن مساحة الأراضي المتصحرة في العراق تبلغ نحو 27 مليون دونم أي ما يعادل 15 في المائة من مساحة البلاد فيما نحو 55 بالمائة من مساحة البلاد تعد أراضي مهددة بالتصحر، ووفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فقد باتت مساحات الغابات في العراق لا تشكل سوى 8350 كم2 ما نسبته 2 في المائة من إجمالي مساحة العراق (فاضل الغراوي رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق).
إن ظاهرة التصحر في العراق تمثل إشكالية كبيرة أمام الحكومة العراقية على المديين المتوسط والبعيد فمن جهة تسبب إضعاف قدرة الأرض على مجابهة التغيرات المناخية وتعرقل الدورة الطبيعية للمياه والعناصر المغذية للتربة، ومن جهة أخرى تؤدي إلى العواصف الترابية الغبارية التي تسبب ترسيب المياه في الأنهر والجداول وإلى إتلاف الأشجار وهذا ما حصل في السنوات العشر الأخيرة وسبب الكثير من الأمراض في الحقول والبساتين التي لم تستطع الدولة معالجتها مما ترتب عليها خسائر اقتصادية كبيرة، بل أن هذه الظاهرة قادت إلى هجرة سكانية كثيفة إلى المدن وخاصة العاصمة بغداد تتجلى في الأحياء العشوائية الكبيرة التي سببت مشكلة كبيرة في توزيع الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والكهرباء، تبع كل ذلك اضطرابات سياسية ستزداد عنفا كلما تباطأت الدولة في معالجة أسبابها. وانطلاقا مما تقدم فان الحكومة العراقية مطالبة باتخاذ منظومة واسعة من الاجراءات ضمن إطار استراتيجية تنموية واسعة الأهداف وضمن جداول زمنية محددة لكي تتمكن من زراعة 15 مليار شجرة من الأنواع المعمرة والمقاومة للظروف المناخية خلال السنوات العشر القادمة ضمن حملة جادة تسهم فيها كافة الوزارات كل ضمن اختصاصها.
ومن بين هذه الإجراءات نقترح ما يلي:
- وضع خطة شاملة لاستصلاح الأراضي المتدهورة وخاصة كثيفة الملوحة عن طريق انشاء منظومة من جداول البزل وإصلاح ما تلف منها بسبب الإهمال.
- انجاز مشروع الحزام الأخضر حول المدن ووضع التخصيصات المناسبة في الموازنة الاتحادية العامة وتشديد مراقبة التنفيذ.
- تفعيل قرار مجلس الوزراء المتعلق بقيام الوزارات بشتل عشرة آلاف شجرة لكل وزارة، وهذا المشروع عانى من الإهمال كباقي المشاريع الحكومية، وقيام وزارة الزراعة بوضع خطة تشجير حول المدن والمناطق التي تراها مناسبة لمعالجة ظاهرة التصحر.
- التنسيق مع الصندوق الدولي للتنمية والاستفادة من خبراته الواسعة التي اكتسبها من خلال إنجازاته في الدول الأفريقية.
- استخدام الأساليب العلمية في استخدام الأرض للأغراض الزراعية والتقليل من تكرار استخدام نفس الأرض سنويا (نير ونير). وتفعيل مشروع تثبيت الكثبان الرملية بالطرق الميكانيكية واستخدام السواتر الترابية لهذا الغرض.
- السعي الجاد، عبر حزمة من التسهيلات، لجذب المستثمرين المحليين والأجانب، لتفعيل العديد من هذه المقترحات عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة وتشغيل الأيدي العاطلة في الريف العراقي.