اخر الاخبار

الفساد آفة مستشرية، وغدت أخطبوطا امتد إلى مختلف مؤسسات الدولة، وتسلسلت خيوطه إلى المجتمع. وكل يوم يتفاجأ المواطن بإعلانات رسمية جديدة، عن أشكال مختلفة من الفساد. وسرقة المال العام وابتكار طرق ووسائل جديدة، يحق لمن ابتكرها ان يحصل على براءة اختراع لها!

وجرى التنويه مرارا من متخصصين ومتابعين وأحزاب وشخصيات وطنية بان المعالجة للفساد الطانب والمستشري يتوجب ان تكون حملة وطنية شاملة، تساهم فيها مؤسسات الدولة، لا سيما ذات العلاقة، وكذلك إشراك البعد الشعبي في جميع مراحلها، ومن ذلك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

ومن المؤكد أن حملة مثل هذه لن يكتب لها النجاح ان اعتمدت ذات الآليات الراهن، وان ركزت على قضايا خفيفة الوزن ويسهل التعامل مع القائمين بها، ويتم غض النظر عن ملفات كبيرة التي تقف وراءها قوى متنفذة وذات سطوة وتمتلك دالة على سلطات الدولة الثلاث. وهناك أمثلة صارخة على ذلك ومنها مثلا عقارات الدولة، ومن استولى ويستمر في الاستيلاء عليها واجدا لنفسه أغطية يظن أنها شرعية.

ومثال اخر قريب فقد اعلن عن عودة إدارة مطار النجف الى سلطة الطيران المدني، والتي قالت انها لا تعرف اين تذهب وارداته؟! فبيد من كانت إدارة المطار حتى الان؟ وفي أي جيب؟ والى اي مصرف داخلي او خارجي تذهب الإيرادات؟ ما أعلن فقط هو عودة إدارة المطار، وماذا عن السنوات السابقة؟ فهل جرى التعامل معها وفقا لـ”عفا الله عما سلف”.

وفيما تقول الحكومة انها جادة في كشف ملفات الفساد، وبغض النظر عن الجهة القائمة بذلك، اعلن مواطنون انهم تحت التهديد من جماعات مسلحة لاجبارهم على ترك أراضيهم او التهجير بقوى السلاح! لا نعرف اين تضع الحكومة والجهات الرقابية مثل هذا الذي يحصل؟ وفي اية خانة تصنفه؟ فهل هو سرقة تحت تهديد السلاح ام ماذا؟ علما انه مشابه تماما الى عمليات الاستيلاء على بيوت المسيحيين والصابئة!

لا نريد ان نسترسل في إيراد المزيد من الأمثلة التي غدت معروفة للداني والقاصي، وتعج بها مواقع التواصل الاجتماعي التي فيها يتواصل أيضا التهكم على إجراءات الدولة بشان “سرقة القرن” وماذا حل بها.

ومن جانب اخر، جيد الإعلان عن وجود المشاريع الوهمية والمتلكئة، وهي في اغلب الظن معروفة، ومعروف أيضا اين ذهبت الأموال والمبالغ الكبيرة التي كلفت الدولة؟ لكن ماذا عن المسببين في حصول ووقوع ما وقع؟ فهل أيضا شملوا بقانون العفو؟!       

الكثير من التعليقات نجدها على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن سرقة الأراضي والتلاعب بها والتي اعلن عن فضائحها مؤخرا. ومن باب التهكم يكتب العديد في تلك المواقع، داعيا في شهر رمضان الكريم، الى بروز خلافات سياسية أخرى كي تطفو الى السطح ملفات فساد أخرى، جرى السكوت عليها باسم “التوافقية”. 

بالقطع لن تنفع مثل هذه المواقف في تبديد الانطباع المتولد عند المواطنين بان إجراءات مكافحة الفساد كانت وما زالت انتقائية، وتخضع لاعتبارات عدة في مقدمتها المواقف السياسية، دون ان يكون الهدف الأراس هو حماية أموال البلد وتجفيف منابع الفساد، وليس ضخ جرعات مسكنة لعبور فترات “حرجة”، او ان تكون جزءا من دعاية انتخابية اخذ البعض يتهيأ لها مبكرا.

إن مكافحة الفساد في بلادنا تحتاج الى مقاربات أخرى وإرادة ومقاومة الضغوط، ووجود سياسة واليات متكاملة، والاستعداد للزهد بكرسي السلطة والمنصب. ولن ينجز ما مطلوب دون البدء الحقيقي بالخلاص من المحاصصة والسلاح غير الدستوري واستعادة هيبة الدولة وترسيخ العمل المؤسساتي ونفاذ القانون على الجميع.

عرض مقالات: