مع اعلان المفوضية العليا للانتخابات عن بدء التحضير والتهيئة لانتخابات مجالس المحافظات، التي قيل انها ستجري يوم ١٨ كانون الأول المقبل، عاد الحديث مجددا عن أهمية هذه المجالس ودورها.
وواضح من التصريحات والمواقف المعلنة والتسريبات، ان الصراع والتنافس والتدافع ارتباطا بها قد انطلق، وراحت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المختلفة ترسم خرائط للوحة التحالفات المحتملة والاصطفافات المتوقعة، وبضمنها ما له صلة بمصير “البيوتات المكوناتية”.
وفي لجّة التحضيرات للانتخابات يمكن سماع تقييمات لمجالس المحافظات، ولقرار مجلس النواب بتجميدها ثم عدوله عن ذلك لاحقا، وما اذا كانت هناك فائدة ترتجى منها ام هي إضافة أخرى زائدة لهدر المال العام. وليس هذا بمستغرب، لكن الشديد الغرابة ان تصدر تقييمات لهذه المجالس من شخصيات وقوى محسوبة على جهات متنفذة، وهي التي هيمنت على تلك المجالس وسخّرتها لمنفعتها، وتفننت باشكال مختلفة في سرقة الأموال التي خصصت للمحافظات او ما قدم اليها من منح ومعونات. كما ان هذه القوى والجهات هي من يقف وراء الفساد فيها، ويستولي على الأملاك والأراضي، ويفرض الاتاوات على المشاريع. فهذه القوى، وهي معروفة جيدا في كل محافظة، هي آخر من يحق له الحديث عن فساد هذه المجالس، الذي في جميع الأحوال فسادها هي ومن تناصره وتدعمه وتوفر الحماية له.
وان مراجعة لتقارير هيئة النزاهة منذ تشكيل مجالس المحافظات في اول انتخابات جرت في ٣٠ كانون الثاني ٢٠٠٥، تُمكّن من تأشير الأسماء المتهمة بالفساد وتجاوز الصلاحيات والاستيلاء على عقارات الدولة والاستحواذ على المشاريع، وغير ذلك من أوجه الفساد المستشري.
ان حديث هؤلاء عن فساد مجالس المحافظات هو ذر للرماد في العيون، وإخفاء لحقيقة من قام بذلك، وشوّه مجالس المحافظات ومهامها والدور الذي كان يتوجب ان تنهض به.
فمجالس المحافظات المقرّة دستوريا لها واجباتها التي يفترض ان تنهض بها، ضمن توجه سليم لترسيخ اللامركزية الإدارية وتقاسم السلطات والحؤول دون تركيزها، ومن ذلك مراقبة أداء السلطات المحلية وضمان حسن التصرف بالاموال الضخمة التي تدفقت على المحافظات، وتقديم الخدمات الى المواطنين وترتيب الأولويات وتنفيذ المشاريع التي تمس الحاجة اليها.
واذا افترضنا ان مجالس المحافظات قد شابها فساد، وهو كذلك، حيث لا يمكن تزكية كل من اصبح عضوا فيها، فان الحال ينطبق أيضا على المحافظين الذين تحولوا في غياب المجالس الى سلطة متفردة مطلقة، لا حسيب عليها ولا رقيب. وتقارير هيئة النزاهة تؤشر أيضا كون العديد من المحافظين القدامى والجدد موضع تساؤل بشأن نزاهتهم.
ان العلة ليست في مجالس المحافظات، بل في من تولى امرها، وان فساد مجالس المحافظات الذي يتحدث عنه البعض الآن لا يبررالغاءها، والا لكان يفترض ان ينسحب ذلك على مؤسسات الدولة ووزاراتها وأجهزتها، المدنية والعسكرية.
ان المتنفذين هم من شوّه صورة مجالس المحافظات وأوجد حالة الشك بها وعدم الثقة بينها وبين المواطنين، فهل يراد ان يستمر ذلك تحت عنوان “سلطة المحافظين” المعروف من يتقاسمها؟!
يتوجب في رأينا الا تستمر هذه الحالة وان تُكسر هذه الحلقة ويحصل اختراق جدي لمصلحة تمكين السلطات المحلية (محافظين ومجالس) من ان تكون قادرة فعلا على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، وان تسهر فعلا على خدمة المواطنين.
لكن تحقيق ذلك سيظل يعتمد الى حدود كبيرة على وعي المواطن، وعلى حرصه على اختيار الأفضل والاصلح والاكفأ والأنزه لعضوية هذه المجالس، وابعادها عن هيمنة ونفوذ قوى المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت.