يصعب في هذا الأسبوع ان لا نتحدث عن اتحاد الطلبة العام، المنظمة المهنية الديمقراطية المكافحة والمجاهدة. وانا كغيري من الذين تخرجوا من هذه المدرسة، شديد الفخر والاعتزاز بتلك السنوات الذي قضيتها في صفوفها، فما احلاها وما اجملها برغم الخطوب والمحن والمضايقات والاعتقالات، فأنى للحكام المستبدين ان يطيقوا وجود هذا الاتحاد وهو يلاحقهم ويكشف عوراتهم ونواقصهم، ويدل الجموع على الطريق السليم ويحشد للتصدي لهم ولسياساتهم الرعناء المعادية لمصالح وحقوق الطلبة والشعب والوطن.
لعل من نافل القول الإشارة الى ان هذا الاتحاد العريق تأسس وفقا لارادة طلابية وشعبية وجماهيرية. وحمت مؤتمره الأول في ساحة السباع ببغداد (١٤ نيسان ١٩٤٨) السواعد السمر من الكادحين والعمال، فولادته المتميزة وانحيازه الى جماهيره وعموم بنات وأبناء شعبنا وقضايا الوطن، وتضحيات مناضليه ودماء شهدائه، واحتضان الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين له، كل هذا وغيره كان باستمرار ـ رغم القمع والتنكيل والاضطهاد والسجون ـ يمده بطاقة لا تنضب وتبعث فيه الحيوية والنشاط والقدرة على العطاء والمواصلة.
جمع الاتحاد عموما بشكل سليم بين كونه منظمة مهنية ديمقراطية تدافع عن حقوق الطلبة ومصالحهم وبين الانحياز لقضايا الوطن العليا وحريته واستقلاله وتقدمه، فلا عجب ان نشهد اليوم هذا التضامن الواسع معه، ومع مناضليه واعضائه بوجه هجمة جديدة تعسفية تقودها وزارة التعليم العالي هذه المرة، فيما هي يفترض بها ان تشجع الطلبة وتأخذ بأيديهم الى تشكيل الاتحادات والجمعيات، لا ان تحرض الامن الوطني على ملاحقة وترصد وتعقب أعضاء الاتحاد ومناصريه وتمنعه من العمل في الجامعات.
واهم تماما من يظن في وزارة التعليم العالي او غيرها من مؤسسات الدولة ان باستطاعتها ان تكمم الافواه وتضيق على المواطنين، وفي مقدمتهم الطلبة، وتحول دون التمتع بحقهم الدستوري في التنظيم وحرية العمل والنشاط الهادف، البنّاء والسلمي.
إنّ عملا مثل هذا لن يقود الى “تخريب الحياة الجامعية”، ولن “يدخل الشغب اليها” كما يقول البعض ويروج، بل هو يرصّن العملية التربوية والتعليمية عبر النقد البناء وتقديم المقترحات والبدائل، ولن تحل الوزارة او غيرها من مؤسسات وأجهزة الدولة محل هذه التنظيمات والاتحادات الطلابية، والا لما حظيت بقبول الطلبة وعملهم طوعا في صفوفها.
فهل شاهد المسؤولون في وزارة التعليم العالي جموع الطلبة بقمصانهم البيضاء في مسيراتهم وهم يتوجهون الى ساحات الاحتجاج والتظاهر والاعتصام أيام انتفاضة شعبنا في تشرين ٢٠١٩؟ هل شاهدوا الحماس المنقطع النظير لادامة جذوة الانتفاضة وإبقاء شعلتها وضاءة؟ هل تلمسوا هذا الانحياز الواضح للوطن والناس؟ أما سمعتم أصواتهم تهتف للوطن واعادته واسترجاعه من مستلبيه؟ هذه الحشود الطلابية الغفيرة كانت تحاكي المشاركين في وثبة كانون ١٩٤٨، ولم ترعبها كل أنواع القتل والملاحقة والقناص والطرف الثالث المجهول المعلوم، فكان منهم شهداء بررة ستظل دماؤهم تطالب بالقصاص العادل من القتلة.
لا نستطيع تغطية تاريخ حافل في الحيز المتاح في هذا العمود، لكن نذكّر من بيده القرار اليوم بمثال واحد، ونقول ان الجمعيات والروابط الطلابية العراقية خارج الوطن - فروع اتحاد الطلبة العام ـ كانت صوتا هادرا لفضح النظام الدكتاتوري المقبور، والتعريف بنضال شعبنا ضده، ودعمه بمختلف الاشكال والوسائل. تلك الجهود التي ساهمت في تقريب ساعة الخلاص من اعتى دكتاتورية.
أبهذا يا وزارة التعليم العالي يكافأ اتحاد الطلبة ومناضلوه؟ ويقينا، كما فعلت مثل هذه الممارسات البائسة سابقا، لن تزيد الاتحاد الا إصرارا على مواصلة طريقه. وسيحظى بالمزيد والمزيد من دعم الطلبة واسنادهم له. وسيمضون سوية الى تحقيق شعارهم العتيد “نحو حياة طلابية حرة ومستقبل افضل”.