اخر الاخبار

التبدلات النوعية التي نتجت عن التحول الكبير في منظومات وآليات عمليات التصنيع المعتمدة على الجهد الفيزيائي المباشر للعامل المتشيء، في علاقته بالماكنة عبر اضطراره لتكييف وقته، فسلجة جسده، للتوافق المؤلم مع إيقاعاتها الرتيبة، حملت معها تبدلات أكيدة في موقع الطبقة العاملة، في بنية النظام الاقتصادي العالمي، وفي بضع مفهومات كانت متداولة، أهمها مفهوم الشغيلة. فمنذ بداية الثلث الأخير من القرن الماضي، واتساقا مع التحول التدريجي للعلم إلى قوة منتجة، مهيمنة، أخذت أوساط متزايدة في التعاطي مع مصطلح (ذوو الياقات البيض) التي كانت تعبر عن شغيلة الفكر، تمييزا لهم عن ذوي الياقات الزرق، الرامزة إلى مفهوم الطبقة العاملة التقليدي، كما كانت طرحته دفاتر الماركسية في نسخها الاولى.

والآن، وقد تضاعف شغيلة الفكر على وفق متوالية هندسية، واتسعت مجالات عملها بكيفية مذهلة، وتنوعت تخصصاتها، على نحو لا سابق له، ألا يستدعي ذلك قراءة جديدة لموقع هذه الفئات متزايدة التأثير على نطاق العالم بأسره، ودورها ومسؤولياتها في أحداث العالم، ويمثل شغيلة الإعلام من صحافيين، مراسلين، مخرجين، كتاب، مصورين، تقنيين، أكثر تلك الفئات انتشارا، وقوة، وتفاعلا، مع الأحداث.

وعلى الضد مما أحدثته الثورة في مجال التقنيات والاتصالات والإعلام، في موجتها الثالثة خاصة، من تبدلات عميقة ومذهلة وخطيرة، في مديات واشكال استخدام الانظمة الرياضية، إذ فتحت أمام الإنسانية الآفاق المدهشة للحقبة الرقمية، ظل التناقض بين الملكية الفردية للثروة الاجتماعية، الشركات والاحتكارات الكبرى، والطبيعة الاجتماعية للعمل، قائما، رغم التبدلات العميقة في تركيبته وشكله، وطبيعته، عموما، يمارس فعله التاريخي، ويلفظ إلى الشوارع كل يوم، بمئات الألوف من العاطلين، وتفاقمت أفقيا مشكلة الفقر لتشمل قارات بكاملها، مثلما تعمق فعل ذلك القانون داخل المجتمعات الرأسمالية ذاتها، ليصيب الطبقات والفئات الوسطى، هناك بالتدهور والانحدار بعد أن انتهت مشروعات ريغن وتاتشر، في استثمار طاقات هذه الفئات المثقفة، ذات الحيوية العالية، والتطلع البعيد، إلى مغلق تاريخي آخر..

إن موجات من اللامعقول، واللارشد، واللا حكمة، بدأت تغمر العالم.. غضب وسخط داخل المجتمعات الغربية، وحرائق اليأس والعنف تكتسح بلدان الأطراف، متواقتة مع مضاعفة القدرات العلمية العسكرية التدميرية، وتوترات خطيرة تجتاح العالم بأسره، بشاكلة تبتعث حالة من الخوف من الآفاق الغامضة التي تحكم وتتحكم وتوجه التطور الإنساني.. كما تزداد الفجوة او الهوة بين دول الطليعة في التقدم التاريخي، وبين مناطق وقارات الفقر، حيث تتضاعف كتل اللحم البشري الجائعة للقمة خبز، وجرعة ماء نظيف، وكرامة. في وضع عالمي أناني منقسم على نفسه، لم يكن لها أدنى دور في صنعه، تزداد كل يوم عمقا واتساعا..

إن تحالفا إنسانيا جديدا يضم شغيلة الفكر من مثقفين وإعلاميين، والطبقات الوسطى والعاملة داخل المجتمعات الرأسمالية، وعبر العالم كله، إلى جانب المليارات من الفقراء والعاطلين والجائعين، في الدول الطرفية، تحالفا يتجاوز الحدود السياسية والثقافية والدينية التي يحرص بعض ايديولوجيي وفلاسفة الغرب على تأكيدها، والتشديد عليها، محورا للصراع، يعبر إلى موقف عالمي مغاير، يضع أسئلة البقاء، ومصلحة الغالبية من سكان الأرض في المقدمة، يبدو ضروريا الآن لمواجهة النزوع المدمر لتحالف الشركات، والاحتكارات العالمية، مع مراكز البحث العلمي، في سعيهم غير المسئول لتغيير شكل الحياة والإنسان على هذه الأرض، من أجل إدامة ومضاعفة أرباحهم، وحتى لا ينفجر كوكبنا الجميل، ذات لحظة حقد مجنونة، إلى شظايا وهباءات ضائعة في فراغ الكون..

إن نقاباتنا الفنية والثقافية واتحاداتنا ومنظماتنا وصحفنا ومجلاتنا جميعها تشكل فصيلا ناشطا من فصائل جيش شغيلة الفكر العالمي، وعيد الأول من أيار عيدنا بكل تأكيد..

مجدا للأول من أيار عيد الشغيلة، صانعي الحياة..

ويا شغيلة الفكر والثقافة والإبداع والإعلام..

يا فقراء العالم وجياعه وساخطيه ومهمشيه..

يا منظمات المجتمع المدني في أنحاء العالم..

يا حماة الأرض والبيئة والإنسان..

اتحدوا..

عرض مقالات: