اخر الاخبار

بلغة جميلة تقترب من روح الشعر، وهسيس الموسيقا، يقدم لنا رعد فاضل في الدفائن اجمل حدائق افكاره، وتنظيراته الأصيلة، إلى جانب ما يوجعه من أسئلة ناتئة وجارحة..

إيروس القراءة

الغموض هو أن يتمتع النص بنوع من مقاومة تتطلب استعدادا جماليا ومعرفيا من قبل القراءة. ليكون النص شعريا عليه أولا أن يكون فاتنا، أن يظهر شيئا من سحره المخفي، أن لا ينكشف للقراءة كما ضوء مصباح دفعة واحدة، وإنما كما شمس رويدا رويدا وقطعة قطعة. بهذه العبارات يستهل رعد فاضل (سياسة القراءة)  الجزء الأول من كتابه. في ضوء اشتراطاته للقراءة، قسم القراء على سلم من المستويات، في الأدنى منه المتلقي، ثم القاريء العادي، ثم القاريء المحترف، وقريب منه القاريء الكاتب. كما عرف النص الحي، بأنه فعال بشبكة علاقات جمالية ومعرفية، يتطلب فكا وفحصا، يتطلب توليدا. ان يكون النص محتجبا يعني انه كما دفينة تتطلب خرائط ولوازم حفر وتنقيبات للكشف عن هذا المحجوب. كما تكمن اللذة في عملية اكتشاف المحتجب في النص. وهي عملية تشترط الحب أولا، والشغف. وفي تعريفه للقراءة كعلاقة بين النص والقاريء يقترب بها من الفعل الإيروسي. ماذا يعني أن تحجر يوميا ولساعات على نفسك لتقرأ غير أن تعيش الرغبة واللذة خاصتيك..؟.

من يكتب العالم..؟

الكاتب والقاريء الشغوفان وحدهما يدركان مغاليق نقوش الكتابة وأسرار مفاتيحها، كونهما يعرفان كيف يستخدمان بمهارة لوازم الكتابة، بوصفها نقشا من جهة الكاتب، وتفكيكا من جهة القاريء. عندما يكون الأدب زيا، يتوقف تماما عن ان يكون، حائكا وقماشا ومصمما وخياطا للعالم، فبائع الملابس الجاهزة، ليس كما مفصلها وخياطها، فالأول كاتب في العالم، أما الثاني فيكتب العالم. بهذه الطريقة يعاين إلى الأدب الحقيقي، المستقل، الذي يعاني كاتبه من الهشاشة، والضعف أمام العالم، لكونه أكثر حساسية، وأكثر إخلاصا لذاته الكاتبة، وأكثر إنصاتا لصوته الداخلي، مبتعدا عن صخب العالم. اما بالنسبة إلى قراء الكتاب، “فنحن اثناء ما نكتب نفكر بالنيابة عن النص الذي نكتب، واما ونحن نقرأ فكأنما ما كتبناه يفكر بالنيابة عنا..”

القراءة وطن

كل كتاب أو نص نقرأه ونتفاعل معه، يعني أننا وجدنا أنفسنا فيه وكأننا نحن من كتبه. وإن كان على العكس من ذلك، فهذا لا يعني أن هنالك خللا ما فيما نقرأ، وإنما لأن تقاطعا ما قد وقع ما بيننا وبينه، تقاطعا قد يكون نفسيا أو ثقافيا او منهجيا. القراءة الحقيقية لا تقبل ما نقرأ بالتمام كما أنها لا ترفض كذلك، كونها ليست قيمية وإنما إكتشافية. قد نقبل من نص ما أشياء ونرفض اخرى، وقد لا نكتشف اشياء يكتشفها غيرنا. من هنا لا يمكن لأي كتاب مهما كان عظيما أن يكون وطنا دائما لقراءة ما. ذلك ان الكتب التي نقرأ ما هي إلا منافي مختارة نعيش بها مؤقتا، لنغادرها إلى أخرى، وتبقى القراءة هي الوطن.

انتحار الكتابة

لم يعد العالم الإفتراضي كذلك، وإنما أصبح عالما حقيقيا يسوده التشاكل وينحسر فيه الإختلاف، فيه تتحطم حدود الفوارق كلها، لتطوق العزلة كل ما هو ثقافي نوعي بعد سيطرة التنميطية في القراءة والكتابة. لقد حول الانترنت الكثير من الكتاب إلى عموميين ونمطيين، يكتبون كل يوم، وفي كل شيء. وما من أدب  حقيقي بلا خصوصية البتة، وهؤلاء الكتاب فقدوا خصوصياتهم. علينا أن نكتب ضد ما ترغمنا الوسائط الجديدة أن نكونه. ضد أن نكرس العابر والعادي. إنه العمومي الذي اصبح شاسعا وضاغطا، ازاء ثقافة الحقيقي. هكذا إذا اصطف التقييم والمعيار الجماليان لكتاب ما مع حركة السوق الإعلامية، كما يحدث هذه الأيام، فذلك لا يعني إلا إنتحار الكتابة من خلال هؤلاء الكتاب.

الكلمة والصورة

الكلمة صورة ولفظة ومدلول في آن معا، بينما الصورة ليست سوى مدلول. الصورة تتوقف حياتها مع لحظة وهج عدسة التصوير، بينما الكلمة تمتد في جسد الزمان. الكلمات رموز وليست اشياء. الصورة مرآة المصور أما الكلمة فكما موشور تمتص وتحلل لتنعكس فيها اشياء العالم. الصورة متموضعة لأن زمنها متوقف، فيما الكلمة متحركة لأنها زمانية دائما. الكلمة موحية لمرات بينما الصورة مكتفية بذاتها ولذاتها. الكلمة لا تستنفد بالاستعادة والتكرار، فما تعنيه إلى جانب كلمات ما، لا تعنيه إلى جانب كلمات أخر.  كم لدينا من صور مصفرة، وأخرى الكترونية لا تشبهنا لأنها محرومة من زمنها التاريخي، ومستلبة من قبل زمنها الآني.

الكتاب محاولة جريئة وجميلة، لاكتشاف أسرار القراءة والكتابة، وإضاءة أغوارها المعتمة والخفية.

عرض مقالات: