اخر الاخبار

تمرُ علينا هذه الأيّام الذكرى التسعون لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، حاضنة الثقافة ومثابتها الراسخة في وجدان المثقفين العراقيين، ولا يختلف أثنان على الدور المحوري الذي لعبه الحزب في ترسيخ الوعي الأخلاقي والسياسي والفلسفي والفكري، لدى أعضائه ومحبية والقريبين منه، ليتأسس ذلك الوعي الخلاق والمبتكر، منذ بواكيره الأولى، أدبًا وفنًّا وطنيًا خالصًا، سرعان ما نهض محلقًا ومنتقلًا بتجاربه الرائدة، على محفة الحزب الذي أدرك خطورة وأهمية الثقافة في الصراع المصيري من أجل كرامة الوطن وحريّته وتحقيق آمال شعبه وتطلعاته.

لقد لعب الحزب دورًا جبارًا على صعيد بلورة الحياة الثقافية، وفتح آفاق الوعي، ووفر مستلزمات الإدراك لدى الآلاف من محبيه من المثقفين الذين وجدوا في المتنفس الديمقراطي للحياة النضالية الداخلية، فسحة للارتقاء بتجاربهم الذاتية، مستندين بالدرجة الأساس إلى الجماهير المتعطشة لأفكار الحزب، وبذار الخير والمحبة والرفعة التي بذرها، فكانت تلك التجارب، على صعيد الثقافة الوطنية العراقية، منعطفات إبداعية ووجدانية عميقة، ما زالت تؤدي وظيفتها المبهرة في إدامة الوعي الجمعي وإنعاش الذاكرة العراقية، كنماذج وشواخص خالدة في الوجدان الثقافي العراقي، يعترف بحضورها وفضلها على الثقافة العراقية العدو قبل الصديق.

لقد كانت تجارب رائدة ومتفردة على الصعيد السردي، مثل رواية “النخلة والجيران”، بمثابة منعطفات إبداعية عميقة وواضحة، أسست لما بعدها من مراحل ومتغيرات وتطورات في المشهد السردي العراقي، كما كانت لمنجزات تشكيلية وفنية متميزة وغير مسبوقة، كنصب الحريَّة الشاخص في الوجدان العراقي، الأهمية القصوى في إحياء قصص النضال المرير وأساطير الكفاح المُلهم التي بذلها أبناء شعبنا، يتقدمهم مناضلو الحزب، والتضحيات الغالية التي بذلوها من أجل رفعة العراق وكرامة شعبه ونيل حريّته وكرامته.

مثل تلك المنعطفات المبهرة والعميقة في الوجدان الثقافي الوطني، لا تُعد ولا تُحصى في الواقع، على صعيد الشعر والسرد والتشكيل والمسرح والسينما والمعمارو كافة مشارب الإبداع، تحكي كلّها قصة التواشج الحيّ والمصيري بين الحزب والثقافة التقدمية الساعية لرفعة الإنسان العراقي وبلورة وعيه، وامتلاك مداركه.

لقد كان مناضلو الحزب من المثقفين وأصدقائهم والمقربين منهم نماذج لتأطير الموهبة والإجادة، مستندين بذلك إلى مبادئ الصدق والنزاهة التي أشاعها الحزب نفسه، في أن الأعمال، سواء كانت عامّة خدمية أو إبداعية خالصة، لابد أن تكون متضافرة مع الموهبة الخالصة والوعي المتقدم والفهم الواعي والمدرك لحاجة الإنسان العراقي، من أجل أن تنتج فنًّأ خالصًا، لأن الأرواح المخربة لا يمكن أن تنتج فنًا، وأن سمو النفوس والإرتقاء بالحس الذاتي هي أولى اشتراطات الفن النقي.

طالما كان الحزب، الذي نحتفل بتسعينيته هذه الأيّام، محرضًا على الصدق والنزاهة الإبداعية الخالصة، ليكون المثقف قريبًا من الشعب، ينهل من تطلعاته وهواجسه، ويستمد من وجدانه وقوده وأدواته، لذلك فقط خرج من أعطاف الحزب آلاف المثقفين الحقيقيين، وما زالوا يخرجون، وإن ابتعدوا أو نأوا عن الوطن، بفعل الظروف القاهرة، لكن في المحصلة، لا يمكنفصل ذلك التواشج الروحي بين الحزب والمثقفين، أو  فصل الحزب عن الثقافة الحقّة.

ــــــــــــ

افتتاحية العدد 138 من «الطريق الثقافي»

عرض مقالات: