اخر الاخبار

لا أتفق مع تلك التحليلات التي تفترض أن النظام في العراق على وشك السقوط، بسبب تفاقم فضائح الفساد المخزية، مثل “سرقة القرن” ونهب أموال الجمارك والصفقات المشبوهة التي تشمل السكك الحديد وميناء الفاو، وقضية التنصت التي اتهم بإدارتها مسؤولين كبار في مكتب رئيس الوزراء. أما العامل الدولي، الذي يحلو لبعض المحللين اعتباره العامل الأساسي في إسقاط النظام وتغييره، فإنه لا يكترث بما وصلت إليه الأوضاع، بل هو متواطئ مع طغمة الحكم، فهو لا يرغب في عراق قوي يحرص على مصالحه، وإنما يفضل عراقًا ضعيفًا، يتهاوى تحت وطأة أزماته المتتالية، لكي تستمر قبضته ـ العامل الخارجي ـ  ماسكة بالقرار السياسي والاقتصادي، من أجل مصالحه هو دون أدنى اهتمام بمصالح الشعب العراقي ومصير الطبقات الكادحة التي ترزح تحت وطأة الحرمان.

كل هذا لا يفضي إلى إسقاط النظام، على الرغم من تأثير الأزمات وتفاقمها على النظام، وتداعيات تراجع ثقة المواطنين فيه. ذلك لأن النظام متجذر في بنية اجتماعية طبقية، تستفيد منه بشكل مباشر.

تكمن قوة النظام في ترابط مصالح طغمة الحكم في ما بينها من جهة، ومن جهة أخرى مع قاعدتها الاجتماعية التي تشكلت من تجار الصفقات المشبوهة، والبيروقراطية المنتفعة من الامتيازات، وأصحاب الوظائف الوهمية، وطيف واسع من السماسرة والمرابين وأزلام أحزاب الطغمة، والمستفيدين من الفساد، والمافيات الإجرامية، والميليشيات المسلحة، ومرضى الخطاب الطائفي للمغيب وعيهم بحيث لا يبصرون تسلط طغمة الحكم الجائر، وما تمثله من قيم قائمة على الاستغلال والابتذال والرثاثة والتفاهة والجشع وشراهة التمسك بالسلطة.

فقاعدة النظام الاجتماعية ليست مجرد أفراد مشتتين، بل هي طبقة كاملة تضع نفسها في مواجهة الشعب الذي تُنهب حقوقه يوميا .

ويمكن إضافة نقاط أخرى تجعل النظام غير مبالٍ رغم شناعة الفساد وفداحة الازمات، منها غياب المعارضة الرسمية. فمجلس النواب متهاون في واجباته الاساسية، التي يُفترض أن يرفع صوته فيها باعتباره صوت الشعب. ذلك انه أصبح مجرد ظل باهت، عاجز عن انتخاب رئيس أو اتخاذ موقف. أما المعارضة الشعبية فهي مشتتة، وغير قادرة على تنسيق صفوفها أو التفاعل بقوة مع الجماهير. وبهذا، فإن التحليلات التي تفترض استنتاجاتها إسقاط النظام واهنة وواهية، لا سند علميا يدعم فرضيتها الساذجة ويثبت صحتها. لكن لهذه التحليلات المتهافتة تأثيرا سلبيا يشيع الاتكالية وينتج الاحباط، كونه يزرع أملًا زائفًا بالتغيير.

والتغيير الحقيقي ليس عصيًا أو بعيد المنال، وان عدم حصوله حتى الآن لا يعني استحالته. لكن التغيير لن يأتي من تلقاء نفسه، ولقد تأخر بسبب تشتت قوى التغيير وغياب إرادتها بضرورة التنسيق. لقد تأخر التغيير لكون الشعب لم يوحد كلمته بعد. والتغيير بحاجة إلى وعي جماهيري ثوري، إلى حراك شعبي ينطلق من عمق الطبقات المحرومة، من العاطلين عن العمل، من العمال، من المظلومين الذين حُرموا من حقوقهم.

وستفرض الحاجة الى التغيير نفسها عندما تتوحد قوى التغيير والإصلاح في وجه الطغمة الحاكمة، وتنظم نفسها في ثورة سلمية عارمة. عندها سيكون النظام عاجزًا عن الوقوف في وجه المد الشعبي الجارف، الذي سيكنس كل من نهبوا ثرواته وبددوا إمكانياته وتلاعبوا بإرادته الحرة، وفي النهاية استغلوا خيراته لمآربهم الشخصية ولأحزابهم وللدول التي يمثلون مصالحها.

عرض مقالات: