اخر الاخبار

أحد أبرز مظاهر ضعف المثقف العربي اليوم، يتجلى في تغيبه أو تردده في اتخاذ موقف صريح وواضح تجاه العدوان الإسرائيلي.

هذا التخاذل يُظهر ضعفًا بنيويًا في الفكر النقدي للمثقف، الذي يُفترض أن يقود الرأي العام نحو رفض العدوان على لبنان، ومقاومة الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة. والمثقف الذي يتردد في إدانة الاحتلال والعدوان، يخسر موقعه كمُعبّر عن ضمير الشعب.

في خضمّ العدوان والاحتلال، يُفترض أن يكون المثقف العربي في طليعة من يقاوم الظلم والاضطهاد، متسلحًا بالكلمة والرؤية الناقدة. إلا أننا نشهد تراجعًا ملحوظًا في موقف المثقفين، حتى أصبح صوتهم، الذي كان يُعد منارة للتأطير وللتوجيه، واهنا لا يكاد يُسمع. وهذه الحالة تستدعي تحليلًا أعمق، لفهم الأسباب الكامنة وراء هذا التخاذل.

العديد من المثقفين العرب فضلوا الانصراف إلى قضايا داخلية ضيقة، أو تناول قضايا ثقافية محايدة، متجنبين الحديث المباشر عن العدوان. هذه الحالة ليست مجرد موقف فردي، بل هي نتاج سياسات أوسع، تحاصر المثقف وتجعله رهين حسابات سياسية نفعية. لكن هذا لا يعفي المثقف من مسؤولية مواجهة الظلم، فالتخاذل في هذا السياق يمثل تواطؤًا غير مباشر مع المعتدي.

ان تقاعس المثقف العربي أمام العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، يعكس أزمة فكرية وأخلاقية عميقة. وهذا التخاذل، الناتج عن ضغوط سياسية ومصالح ذاتية، أدى إلى فقدان المثقف موقعه كقائد للرأي العام وناطق باسم الطبقات المسحوقة. ويتطلب الخروج من هذه الأزمة عودة المثقف إلى دوره الطبيعي، كمدافع عن العدالة والتحرر الوطني والاجتماعي، بعيدًا عن التردد والحسابات الضيقة. اما الصمت والتخاذل في وجه العدوان فلا يعني سوى التواطؤً غير المباشر مع المعتدي، فيما المطلوب هو شجاعة الموقف ووضوح الرؤية.

المثقف العربي كان عبر التاريخ حاملًا لمشروع اجتماعي طبقي يتبنّى هموم الجماهير، ويعمل على مقاومة الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية. لكن مع مرور الزمن حدث تحول في هذا الدور. فهذا المثقف بات اليوم إما جزءًا من طبقة سياسية أو اقتصادية منتفعة، أو تحت تأثير ضغوط تملي عليه التنازل عن دوره النقدي لصالح المصالح الشخصية أو المؤسسية.

ولا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه السياسات الإقليمية والدولية في تشكيل مواقف المثقفين. والعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان ليس مجرد أحداث معزولة؛ بل هو جزء من مشروع أوسع يستهدف تمزيق المنطقة وإضعافها من خلال الحروب بالوكالة. والمثقف الذي كان من المفترض أن يحلل هذه المعادلة بعمق وينقلها إلى الجماهير، أصبح إما ضحية للتأثيرات الخارجية أو متورطًا في الصراعات الإقليمية بين القوى المتنافسة.

ان تحالف بعض المثقفين مع أجندات إقليمية أو دولية، سواء كان ذلك عن قصد أو تحت ضغوط، أفقدهم المصداقية أمام شعوبهم. حيث أصبح سهلا على المثقف أن ينحاز إلى طرف سياسي أو إقليمي، بدلاً من الحفاظ على استقلالية موقفه، وهو ما أدى إلى تآكل الثقة به من قبل الجماهير. وساهم هذا التردي في الرؤية في غياب التحليل الطبقي والعلمي للعدوان الإسرائيلي كجزء من سياسة أوسع تهدف إلى قمع كل محاولات التحرر الوطني والاجتماعي في المنطقة.

ان ما نحتاجه اليوم في مواجهة هذا التخاذل، هو إعادة بناء دور المثقف على أساس مشروع ثقافي تحرري، يرتكز على البعد الطبقي والوطني. وعلى المثقف أن يستعيد موقعه كمدافع عن حقوق الجماهير ومحرك لها في مواجهة العدوان والاحتلال والاستبداد معا. فهو لا يمكن أن يقف موقف المتفرج او يكون رهين المصالح الضيقة، خاصة في هذا الزمن الذي يتعرض فيه الشعبان الشقيقان الفلسطيني واللبناني لأبشع صور العدوان.

عرض مقالات: