حسنا تتوجه الحكومة العراقية بين فترة وأخرى إلى مراجعة القوانين والإجراءات الضريبية إن كان الهدف متعلقا بتعزيز الموارد المالية وإصلاح نظام التوزيع بما يحسن من مداخيل المواطنين بصورة عادلة من خلال الفرز بين المكلفين الحقيقيين بدفع الضريبة وأولئك الذين تفرض عليهم الضريبة بصورة عشوائية لمجرد تنفيذ لنصائح صندوق النقد الدولي وفق مبدأ ملتبس مبني على أساس تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الريوع النفطية.
لكن الواضح أن الضرائب أصبحت بابا من أبواب الهدر والفساد المالي حيث تشير بعض التقديرات ان حجم المبالغ المهدورة تجاوزت 800 مليون دولار سنويا وما تزال سرقة القرن مائلة في اذهان الناس حيث يتمتع أبطالها بالتحرك بكامل حريتهم بأمل لفلفة ملفاتها دون أن يطرقوا أبواب السجن، وهذه الإشكالية أفقدت دور الضرائب في كونها أداة لتوزيع الموارد والدخل فضلا عن وظائفها الأخرى المتعلقة بالسياسيات النقدية والمالية ودورها في السيطرة على معدلات التضخم ومستويات الأسعار.
وإشكالية الضريبة والفشل في لملمة أشتاتها شكلت عبئا مقلقا على الحكومة لهذا أقدمت على تقديم مقترح قانون ضريبة المبيعات الذي من شأنه تدعيم الموارد شريطة ألا يزيد من كلف البيع وبالتالي رفع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للمواطنين محدودي الدخل، ومن ثم تحميلهم أعباء اقتصادية شاقة، وفي ذات الوقت رفع وتيرة الاحتجاجات نتيجة لسياسات خاطئة في كيفية إدارة الاقتصاد دون الاخذ بالاعتبار الظروف التي تعكر معيشة المواطنين وتزيد من نسبة الفقر، وفي نفس الوقت التساهل مع الطبقات الثرية التي راكمت أموالها خارج عملية الإنتاج و اعتاشت على أموال الدولة فبرزت أقلية تعدادها 30 شخصا يملكون أكثر من مليار دولار و16 الف شخص يملكون اكثر من مليون دولار وكلاهما راكما ثرواتهما من سرقة المال العام عبر اللجان الاقتصادية وغسيل الأموال في قطاع العقارات، كما أن هذا القانون وفق مسودته الحالية ربما يدفع البعض إلى التهرب الضريبي والشراء من السوق الموازي وقد تتعرض الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التراجع، وان رفع الإيرادات بهذه الطريقة دون حساب لحالة أكثر الشرائح الاجتماعية تضررا من أعباء الكلف الاجتماعية المتعاظمة والتي كانت أبرز تجلياتها في تخفيض قيمة العملة الوطنية وانعكاسها على الدخل الحقيقي للمواطنين محدودي الدخل عبر الحرمان من الكثير من السلع الضرورية لإدامة الحياة.
ومن الجدير بالتنويه أن ثمة ضعفا في التنسيق بين دائرة التحويلات الخارجية في البنك المركزي وهيئة الضرائب العامة، كما ينبغي بهدف ضبط المتحصلات الضريبية من المبالغ المحولة إلى الخارج لأغراض الاستيراد التي ثبت عدم عودتها بنفس الكمية عبر عمليات التزوير والتحايل في فواتير السلع المستوردة، وفي هذه الحالة وغيرها يعود السبب إلى تدني العقوبات المفروضة على المكلفين من الأشخاص والشركات المتهربة من الوعاء الضريبي، يضاف إلى ذلك التساهل في فرض الضرائب التصاعدية على أصحاب الثروات الطائلة التي تتردد الدوائر الضريبية من طرق أبوابهم المحصنة بحكم نفوذها السياسي داخل السلطات. وهذه الإخفاقات لا تنفي زيادة حجم الضرائب المتحصلة من العديد من الجهات المكلفة بدف الضريبة، فعلى سبيل المثال ارتفعت الضرائب على الدخول والثروات بنسبة 25 في المائة كما ارتفعت الضرائب السلعية ورسوم الإنتاج بنسبة اكثر من 100 في المائة وارتفعت الرسوم المتوقعة في عام 2024 بنسبة 420 في المائة حيث تنوي الحكومة الحصول علة 6.8 تريليون دينار في هذا العام، كما بلغت حصة الموازنة من أرباح القطاع العام في السنة الحالية 2.2 تريليون دينار مرتفعة بنسبة 29 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وكل هذه المبالغ لا تزيد عن 20 تريليون وهو مبلغ ضئيل اذا ما قيس بمقدار العجز في موازنة هذا العام.
إن الضرائب على أهميتها لا يمكن ان تكون بديلا عن أهمية القطاعات الاقتصادية الأخرى وخاصة الإنتاجية في الصناعة والزراعة اللتين لم تشكلا أكثر من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فضلا عن المصادر الخدمية وبالأخص السياحة التي يهيمن عليها الطابع الأيديولوجي أكثر من الاقتصادي.