في خضم المنافسة الشرسة بين المرشحين، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، أعلنت مؤسسة غالوب بأن 51 في المائة من الشباب في الولايات المتحدة يدعمون طيفاً يسارياً ما.
وأطياف اليسار في الولايات المتحدة متعددة ومختلفة في الشكل والمضمون والموقف من هذه الانتخابات، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الحزب الشيوعي على المساهمة الجادة في إلحاق الهزيمة بترامب وما يمثله من خطر فاشي، يبقى محافظاً على استقلاليته ومواقفه الجذرية الرافضة لكلا المرشحين، باعتبارهما ممثلين للعولمة الرأسمالية المتوحشة، فيما تلجأ قوى يسار الوسط، من ليبراليين وخضر وأحرار، إلى تأييد هاريس، أو ترشيح ممثلين عنها، لا يتوقع أحد حظوظاً ملموسة لهم.
ويقف الاشتراكيون الديمقراطيون (DSA)، الذين يشكلون أكبر قوى اليسار، في مواقع لايحسدون عليها، بعد أن تعقدت إلى حد كبير علاقتهم بالمرشحة هاريس في وقت اشتد فيه عداؤهم التقليدي لترامب. ويعّد الموقف من غزة أبرز أسباب خلافهم مع هاريس إضافة إلى قضايا الرعاية الطبية لكل المواطنين وتوفير فرص عمل وإلغاء الرسوم على الدراسة الجامعية وإنهاء خصخصة السجون وإصدار تشريعات تحد من إنتشار السلاح. وانعكست هذه الحيرة في التعامل البارد لناشطي DSA مع الصراع الانتخابي، لاسيما بعد حملات السخرية التي شنوها ضد اتهام ترامب لهاريس من أنها ماركسية في إشارة إلى والدها، رجل الاقتصاد الماركسي دونالد جيه، وضد هاريس عندما افتخرت بتأييد بعض كبار الجمهوريين لها. وهناك خشية من أن تنتهي هذه السخرية بعزوف الكثير منهم عن التصويت.
لقد تأسس حزب الاشتراكيين الديمقراطيين في عام 1982، من دمج منظمتين هما لجنة التنظيم الاشتراكي الديمقراطي (DSOC) والحركة الأمريكية الجديدة (NAM). وكان من بين المؤسسين شخصيات يسارية مثل دوروثي راي هيلي ومايكل هارينجتون. وحقق الحزب نمواً جيداً في أعقاب الأزمة المالية، حتى تجاوز عدد أعضائه المئة الف عضو. ويعتمد الحزب، في نضاله على المزج بين النشاط البرلماني والحراك الشعبي الاحتجاجي.
ورغم وجود معارضة داخل الحزب للمشاركة في النشاط البرلماني في ظل هيمنة الحزبين الرئيسيين، فإن الأغلبية ترى في الحملات الانتخابية وسيلة جيدة للتواصل مع الناس، والمهمشين سياسياً بشكل خاص، وكسب أعضاء جدد وتدريبهم، فيما أثبتت التجارب إمكانية الاختراق لاسيما في المدن الصغيرة حيث يكون الحزبان الرئيسيان أقل رسوخاً وحيث تلعب شخصية المرشح دوراً أكبر. ولهذا يركز الحزب على تقديم النشطاء النقابيين والقادة الشعبيين على قوائمه، ويستفتي سكان المناطق قبل تحديد مرشحيه. كما لا يمانع الحزب في ترشيح بعض أعضائه على قوائم الحزب الديمقراطي لضمان فوزهم كما حدث مع أبرز قادته ألكساندريا أوكازيو كورتيز، التي تعّد ثاني أهم يساري في الكونغرس، كان له تأثير ايجابي على سياسات بايدن البيئية، رغم معارضة الأقلية داخل الحزب، والتي تعتبر هذا التوجه تصرفاً برغماتياً لا يليق بهم.
ولا تقتصر برامج هذا الحزب على الحديث عن مصالح الملونين والسود بل تتسع بقوة للتعبير عن مصالح ووحدة الشغيلة الأمريكية بعيداً عن العرق والخلفية الأثنية وغيرها، مقيمة أوثق العلاقات بالحركات الاجتماعية مثل حركة (حياة السود مهمة).
وأخيراً، كان لأغلب أعضاء هذا الحزب مواقف تضامنية رائعة مع الشعبين اللبناني والفلسطيني، لم تقتصر على التظاهرات وتقديم المساعدات المادية فحسب، بل وفي فضح أكاذيب الإعلام الصهيوني المهيمن في الولايات المتحدة. ولهذا صار عليه أن يدفع ثمناً لهذه المواقف، حيث منح اللوبي الصهيوني ملايين الدولارات لخصوم مرشحيه في الانتخابات، مما أدى لفقدانه بعض من مقاعده، كمقعد أحد قادته جمال بومان.