إن الحد من الفقر الذي تستند إليه الأهداف الإنمائية تقترب أكبر من نهج مرتكز على سوق العمل الذي يقوم على منطق أن العمل هو الأصل الوحيد الذي يملكه الفقراء وأن أي مسار نمو لا يخلق وظائف أكثر وأفضل مترافقة بالحماية الاجتماعية الكافية قد يفشل في الحد من الفقر فيما يشمل الكثير من الناس، ومن هنا فإن قوة عاملة متعلمة وماهرة تمثل احدى المكونات الأساسية للتركيز الجديد على أسواق العمل وأدائها.
ويتضح مما تقدم أن تطوير مهارات الأفراد الذين يمثلون الركن الأهم في قوى الإنتاج، يتطلب جملة من الأنشطة والفعاليات من خلال مقاربة لإعمام برامج خاصة توطد العمل المشترك في المجالات الوطنية والإقليمية والدولية وتهدف إلى مواجهة الأزمات الاقتصادية والهزات المالية التي تتعرض لها البلدان التي تعتمد بوجه خاص على الموارد النفطية وضعف القطاعات الاقتصادية الأخرى كما يجري في العراق، حيث لم تتوفر الضمانات الكافية في وجود وضع مالي ثابت ومستقر بسبب تذبذب أسعار النفط في الساحة الدولية، وفي مثل هذه الأوضاع يمكن الاستفادة من تجارب منظمة العمل الدولية التي ثبت نجاحها في العديد من البلدان التي حققت فيها إنجازات ملموسة في إطار وضع برامج خاصة لتدريب العاملين.
ويؤخذ من تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة حول تطوير قدرات الشباب من الجنسين من المزارعين ودور المرأة ومساعدة العوائل المتعففة وقضايا ذات صلة في البيئة، ويعكس هذا التقرير (نشرت تفاصيل وافية عنه في جردة المدى في 6 حزيران 2022) تنوعا في الأنشطة والفعاليات بعضها يتعلق بأساليب الزراعة الحديثة وتسويق الإنتاج وإلى تشجيع الصناعة المحلية تحت شعار (صنع في العراق) وبعضها يتعلق بتطوير قدرات الشباب من الجنسين على صناعة وتحضير منتجات غذائية من فطائر وأجبان ومنتجات أخرى، كما تشمل هذه الأنشطة تدعيم النساء النازحات من خلال إعطاء الجمعيات النسائية منحا صغيرة ومعدات مع تنظيم دورات تدريبية لتنفيذ مشاريع اقتصادية صغيرة وتقديم الدعم للمرأة العاملة لتمكينها من مصدر اقتصادي معيشي طويل الأمد، ويشمل البرنامج التعاون مع وزارة العمل والتخطيط في الحكومة المركزية والإقليم بالتعاون مع برنامج الغذاء الدولي لإصلاح نظام الحماية الاجتماعية ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستمرة في مجال الامن الغذائي .
وعلى الرغم من الفوائد التي يوفرها برنامج الامم المتحدة المذكور إلا أنه يختصر على عينات شبابية ونسائية محدودة يمكن النظر اليها كتجربة قابلة للتوسع وتداول مخرجاتها المعرفية بين هذه الأوساط، غير أنها في كل الأحوال تبقى محدودة قياسا بالتخلف الاقتصادي والاجتماعي الواسع الذي لا يمكن حل طلاسمه إلا عبر خطط واستراتيجيات تنهض بها الدولة بالاستفادة من الفوائض النقدية المتحققة من ارتفاع أسعار البترول عبر صناديق سيادية خاصة شريطة أن تتوافر إرادة حكومية وتصميم سياسة اقتصادية شاملة وإسهاما في هذا التوجه نقترح الاتي :
- إعادة النظر في المناهج التعليمية وتوسيع البرامج التوعوية الخاصة بدور المهارات المعرفية والبدنية وخاصة التي تتماهى مع التطورات التكنولوجية الآخذة في التسارع كحق وواجب لإسهام الشباب من الجنسين في بناء الدولة والمجتمع وتطوير قوى الإنتاج النظرية والعملية وتمكينهم من الإدارة القيادية وتحليل المشكلات واتخاذ القرارات.
- إيلاء اهتمام كبير وجاد في توسيع وتعميق التعليم المهني وتطوير مؤسساته وربط مناهجها بالعملية الإنتاجية والخطط التنموية بجانبيها النظري والتطبيقي والاستفادة من التجربة السابقة من خلال إعادة مؤسسة التعليم المهني لإعداد وتخريج الكوادر المهنية المؤهلة في مختلف الأنشطة والاختصاصات.
- قيام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتنفيذ قرارات منظمة العمل الدولية باعتبار العراق عضوا في هذه المنظمة وتنفيذ قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 ووضع البرامج لتوسيع التدريب المهني وإعداد الراغبين في العمل باكتساب المهارات بالتنسيق مع وزارات الدولة لتبادل البيانات وتقدير الاحتياجات للقوى العاملة في ضوء احتياجات سوق العمل والتنسيق مع الجامعات ومراكز الأبحاث لهذا الغرض.