اخر الاخبار

تتجلى أهمية العملية التجارية كتعبير عن توجهات مفترضة للدولة على المستويين المتوسط والبعيد، للنهوض بدور اقتصادي تهدف إلى إضافة قيم اقتصادية جديدة وصولا إلى تحقيق الموازنة بين العرض والطلب في السوق الداخلية وسد النقص في الحاجات الاستهلاكية وخدمة الأهداف التنموية التي تجسدها الاستراتيجية التنموية التي ترسمها الدولة لتحقيق القدرة التنافسية للمنتجات المحلية في الأسواق العالمية.

  ومن الفروض أن تكون السياسة التجارية التي ترسمها الدولة، مبنية على أساس تنمية العلاقات الاقتصادية بين العراق والدول الأخرى التي تصب في نهاية المطاف في تدعيم الخطط التنموية الاقتصادية في الداخل ولصالح الميزان التجاري العراقي وفي ذات الوقت أن تكون هذه السياسة تستهدف تطوير العلاقات الدبلوماسية بين العراق ودول العالم بما يحمي الاستقلال السياسي والاقتصادي والتعامل على قدم المساواة في كل التعاملات التجارية. ومن المعلوم أن العراق يستورد معظم السلع والبضائع والمواد الغذائية من تركيا وإيران ونسبة أقل من دول الخليج حسب هيئة الإحصاء التركية، فعلى سبيل المثال فان العراق يحتل المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر استيرادا من تركيا، ففي شهر أيلول من هذا العام بلغت قيمة المواد المستوردة من تركيا خلال الشهر المذكور مليار و133 مليون دولار، فهل صدر العراق نفس القيم إلى تركيا وهل يمكن القول إن العلاقات التجارية مع الدولة الجارة كانت متوازنة؟  وينطبق هذا التساؤل مع الجارة إيران كذلك.

  ومن جهة أخرى فإن الاقتصاد العراقي يواجه اختلالا واضحا في ميزانه التجاري بالنظر للتركيز على الاستيراد الخارجي في مواجهة الطلب الاستهلاكي المتزايد بسبب الانفاق الحكومي الذي تجسده الموازنات التشغيلية السنوية يقابلها شحة التصدير الناجم عن ضعف دور القطاعات الانتاجية وخاصة في مجال الصناعة والزراعة، فقد بلغت قيمة استيرادات العراق للسنوات المنصرمة ما يزيد على 500  مليار دولار، وهذا الرقم يشكل عبئا ثقيلا على مجموع  الدخل المحلي الإجمالي للفترة  نفسها ما يعزز النزعة الاستهلاكية للمواطن العراقي، وكل ذلك لم يأت صدفة لولا وجود مافيات تتحكم بهذا الشكل أو ذاك في صناعة القرار الاقتصادي في العراق وأمام تجاهل الجهات الحكومية المسؤولة عما يجري من تلاعبات في مصائر المستهلك العراقي خاصة والاقتصاد العراقي عامة.

 ومن الجدير بالذكر أن العراق يعد لاتفاقية انضمام العراق إلى منظمة التجارة الدولية وقد تحقق الاجتماع  الثالث مع فريق المنظمة من قبل وزير التجارة وعدد من الوزراء الآخرين في شهر تموز الماضي، وتواجه هذه الاتفاقية معارضة شديدة من قبل قوى سياسية ومن قبل الاقتصاديين والقانونيين،  وما زال العراق عضوا مراقبا لأن أحكام هذه الاتفاقية لم تأت بأحكام متوازنة يراعى فيها مدى التفاوت الصناعي والاقتصادي للدول المنظمة إلى المنظمة المذكورة، كما أنها لم تأخذ بالاعتبار قدرة المنتج او الصناعي العراقي على منافسة الدول الأكثر تطورا.

وانطلاقا مما تقدم يتعين على الحكومة العراقية المنتظرة مراجعة السياسات الاقتصادية بشكل عام والسياسة التجارية، وتنظيف الأخيرة من طابع الانفلات   الذي شابهها بوجه خاص من أجل التخلص مما علق من السياسات الحكومية السابقة التي قادت إلى اقتصاد عراقي هجين وتجارة منفلتة تتحكم بها مافيات لها علاقة بأوساط سياسية معينة وأجهزة حكومية متمددة بالفساد إلى الحد الذي لم تترك مجالا للاقتصاد العراقي للانتعاش وأخذ دوره الإيجابي بين الاقتصادات العالمية مع تشديد الدور الرقابي لمجلس النواب القادم وتنظيف الأجهزة الرقابية الحكومية مما علق بها من أدران فاسدة، سبيلا لبناء سوق عراقي يلبي حاجة المواطن العراقي من سلع جيدة وإغلاق ملفات السلع الرديئة وإلى الابد. والأهم من ذلك تطبيق القوانين الحمائية بما يكون متلازما مع منظومة الإجراءات ومن بينها تقديم الدعم الكافي والمشجع للصناعيين والمزارعين سواء من حيث القروض الميسرة وإطفاء الديون القديمة الفاقدة لقيمتها حيث فرضتها ظروف الحصار التي سدت الأبواب على دخول التكنولوجيا لإعادة تحديث آلات الإنتاج مع توفير المواد الزراعية من الحبوب والأسمدة البعيدة عن الروتين الحكومي المعقد الذي يشجع على المساومات والابتزاز.

عرض مقالات: