اخر الاخبار

مدينة كركوك التي كانت يومًا واحة زراعية خضراء، تحوّلت مع اكتشاف النفط في عشرينيات القرن الماضي إلى مركز نفطي وصناعي. هذا التحوّل جذب آلاف العائلات الباحثة عن فرص عمل، لكنه لم يأتِ دون ثمن باهظ، إذ باتت المدينة تواجه أزمات بيئية وصحية خطيرة تهدد حياة سكانها.

تشير الأرقام إلى واقع صادم: فبحسب ديوان محافظة كركوك ان المساحات الخضراء التي يفترض أن تغطي 16 في المائة من أراضي المدينة، بالكاد تصل اليوم إلى 2 في المائة.

هذا النقص الكبير في الغطاء النباتي تزامن مع ارتفاع ملحوظ في نسب التلوث. حيث تضاعفت حالات الإصابة بالسرطان من 940 حالة في عام 2019 إلى 1900 حالة في 2023 وفقا لوكالة "رووداو".

 القنوات المائية، التي كانت مصدرًا للحياة، أصبحت اليوم قنوات للامراض، مع ارتفاع مستويات تلوثها إلى درجات كارثية. ففي قرية النميصة التابعة لناحية الزاب في قضاء الحويجة، يعاني السكان تلوث ماء الاسالة، بحيث سجل المستوصف المحلي في كانون الثاني 2024 أكثر من 200 حالة مرضية، بضمنها أمراض الكلى والجلدية، مع ظهور 10 حالات فشل كلوي مكلفة العلاج. والمواطنون مضطرون لشراء فلاتر باهظة الثمن لتصفية الماء بغية الاستخدام المنزلي، أو الاعتماد على مصادر مائية أخرى لا تخضع الى أي شكل من اشكال الرقابة الصحية، ما يزيد من معاناتهم اليومية.

وفي ناحية تازة جنوبي مدينة كركوك، التي عانت هجوما بالغازات السامة خلال سيطرة داعش عام 2014، تستمر الأمراض الجلدية والمستعصية في الانتشار بين السكان. واليوم أصبحت الطفلة التي فقدت حياتها جراء ذلك الهجوم رمزًا للمعاناة، فيما تكافح العائلات الأخرى الأمراض الخبيثة وسط غياب أية استجابة حكومية فعالة.

جهود المنظمات التطوعية، التي غرست 120 ألف شتلة خلال الست سنوات الاخيرة، ورغم أهمية الرقم، تبدو كأنها قطرة في بحر المعاناة. فكركوك بحاجة إلى حلول شاملة، تشمل إنشاء غابات حضرية، ومصانع لإعادة تدوير النفايات، بعيدة عن مركز المدينة، ومشاريع لتنقية المياه وتعقيمها في كل القرى النائية.

كركوك لا تحتاج فقط إلى خطط تطوعية طموحة، بل إلى إرادة حكومية حقيقية لإنقاذها من التدهور البيئي والصحي.