اخر الاخبار

حين تتصفح منصة (964 +) الالكترونية وترصد انشغالها بإظهار صورة الواقع المحلي بكل تفاصيلها، حيث حركة حياة الناس ومشاكلهم والقضايا التي تشغلهم سواء في الحواضر والاحياء الشعبية وأسواقها او في المدن الهامشية، تصاب بالدهشة وكأنك تغرق في قراءة رواية (اللاز) لطاهر وطار، او رواية (مدن الملح) لعبد الرحمن منيف، او (النخلة والجيران) لغائب طعمة فرمان، او أية رواية من أمريكا اللاتينية تعكس يوميات الناس وانشغالاتهم. فالمنظور الإنساني هو أساس تحول التفاصيل المغرقة في المحلية الى العالمية، وليس للعالم ان يكون مكانا وزمانا اجتماعيا وثقافيا واحدا، الا بترابطه.

تدهشك كثافة المواد وتنوعها والإحاطة بالأحداث عبر اخبار مصورة وتقارير موجزة، وتتساءل عن قدرة هذه المؤسسة حديثة الانطلاق ليس فقط على الايجاز غير المخلّ، من دون اهمال متابعة جزئيات الاحداث المحلية وترابطها مع القضايا العامة، فتزودك بما يتداوله بسطاء الناس وما يثير اهتمامهم، وبرغباتهم، وآمالهم، ومخاوفهم، وما يتخللها من مفارقات، ويأخذك تنوع المادة الاعلامية مع تنوع اهتمامات الناس. وليست السياسة وهمومها المادة الوحيدة، مع تلمس انعكاسها خفيفا لا يثقل كاهلا ولا يصيب بالملل، فالمنصة تتناول كل مناحي الحياة بما تنطوي عليه من تفاصيل وزوايا. وتعفيك المنصة من ملاحقة بث الفضائيات وبرامجها السياسية، التي يتزاحم عليها ساسة مللنا وجوههم.

لعل منصة (964 +) اهم تجديد يطال المشهد الإعلامي، وهي تشكل بلا ريب ظاهرة إعلامية جريئة، تتسابق للفوز بالمشاهد، والتميز بالمفاضلة بين شاشة التلفزيون الكبيرة وشاشة الهاتف المحمول. وهذا السباق هو جزء من صراع ثقافي ومعرفي تتفرّد به منصة (964 +) حيث تجعل مراسل الفضائيات عاجزا عن اللحاق بأي شاب يمتلك هاتفا محمولا، ويسجل سبق الفوز في تصوير حدث ما في زقاق محلته، متحولا الى مراسل شديد المراس، يجعل لمحلته عنوانا في نشرة الاخبار.

يبدو ان هدف منصة (964 +) هو سحبنا من الشاشة الكبيرة الى شاشة الهاتف المحمول، بعد ان اتاحت تقنياته لكل مواطن امكانية ان يكون مراسلا إعلاميا مرة، مسخرا كاميرا هاتفه لتوثيق احداث الزقاق في محلته، وفي مرة أخرى فاعلا اجتماعيا يجعل ما وثقه مركز الاهتمام.

الفكرة بمنتهى البساطة، فمثلما ان الفاعل الاجتماعي في الحركة الاحتجاجية هو المنظم والمشارك ورافع مطلب المحتجين في آن واحد، فقد نجح الزميل هيوا عثمان بالاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي، في تمكين كل مواطن من ان يكون اعلاميا طالما هو يحمل هاتفا نقالا متصلا بالأنترنيت، يصور الحدث ويكتب الخبر بكل مستلزماته ووفق معايير المهنية والصدقية والحيادية، ويوفر له مساحة لعكس منتوجه بالصورة التي يراها بكل جزئياتها وخصوصياتها.

وتكشف المنصة عن هدفها الحقيقي بجعل الاحداث المحلية تحتل صدارة الاهتمام كأساس للحدث العام، وهذا ما استحضر النقاش الفكري الذي سبق وانشغلنا به، وعنوانه التأثيرات المتبادلة بين العالمي والمحلي في إطار العولمة وتشابكهما، حيث تحول العالم الى قرية صغيرة، فيما أريد بذلك تغييب هوية القرية الحقيقية وحركة فلاحيها في ريفهم الرحب.

لقد نجحت منصة (964 +) بدرجة امتياز، موفرة لنا معطيات لم تؤمنها مؤسسات إعلامية كبرى. نجحت في نقل الصورة من مناطق نائية، واحياء منسية، ومدن مهمشة، بشكل سريع وانسيابي ومنظم، واضعة بين ايدينا النادر والبديع والملفت ايضا.

عرض مقالات: