في يوم آذاري جميل من عام ١٩٣٤ ولدت سنديانة العراق الحمراء، الحزب الشيوعي الذي لا يذكر العراق وتاريخه الحديث الا ويذكر معه. فهو من هذا العراق ومن شعبه.. ولهما
مسيرة الحزب حفلت بالعطاء وبالمآثر وصور البطولات والإصرار على صون القيم والمبادئ والاستعداد للتضحية بالنفس من اجلها. واسطورتا فهد وسلام عادل حيّتان تتجددان كل يوم باعثتين القوة والثقة بالنفس والعزم على المضي في الطريق ذاته، الذي اختطه الرواد البواسل.
ولم تعد مسيرة الحزب هذه، المقتربة بحيوية من التسعين، وما راكمت من تجارب وخبر ليست ملكا للشيوعيين وحدهم، بل لكل المتطلعين والعاملين بجد على وضع نهاية للواقع المر وبناء حياة أخرى بديلة، يجد الانسان فيها نفسه وينتهي اغترابه وتتوفر له فيها الراحة النفسية والطمأنينة والعيش الرغيد الآمن والتفاؤل بالمستقبل.
مسيرة التسعين عاما هذه، التي شق الحزب طريقها بحزم وعزم، كم سهر أبناء العراق وبناته ومعهم الملايين على مدى سنوات النضال من اجل الوطن الحر والشعب السعيد، على حمايتها من قوى الشر بمختلف تلاوينها، وإمدادها بإكسير الحياة، وإرواء شجرتها الوارفة.
فهذه الجماهير العراقية الواسعة من كل أطياف شعبنا، من العرب والكرد والتركمان والكلدو اشور والسريان والارمن والصابئة والايزيديين والشبك وغيرهم، وجدت في الحزب مظلة حامية لها ومدافعا امينا عن حقوقها وتطلعاتها، ومقاتلا عنيدا من اجل مصالح الشعب والوطن العليا. وجدت في الحزب وقادته ومنظماته ورفاقه تساميا فوق المصلحة الضيقة والانانية، وسعيا لا يكل من اجل خير الانسان وسعادته وتطور البلد ورقيّه. وهم من ساروا على خطى ومُثل مؤسس الحزب، واستحضروا دائما كلماته المدوية التي خاطب بها الجلادين: كنت وطنيا قبل ان أكون شيوعيا ، وعندما أصبحت شيوعيا ازدادت مسؤوليتي تجاه وطني.
في غمارمسيرته المظفرة التي يعتز بها الشيوعيون والوطنيون المخلصون، ومثل غيره من الاحزاب السياسية، كان الحزب الشيوعي العراقي يجتهد في اتخاذ المواقف، وكان بالطبع معرضا في اجتهاده للخطأ كما للصواب. لكنه كان حتى حين يقع في الخطأ، يسعى الى ما فيه خدمة المواطنين في الوضع الملموس. كما انه ، وتلك خاصية قد ينفرد بها الشيوعي عن غيره من الأحزاب على اختلاف توجهاتها وتياراتها، لم يدّعِ العصمة يوما ولا يدعيها، وامتلك ويمتلك الجرأة الكافية، وهي جرأة رفيقاته ورفاقه وأصدقائه الخلص، للتوقف عند مسيرته واخضاعها للمراجعة والتقويم واستخلاص العبر والدروس، التي يستعين بها زادا إضافيا لحاضر أيامه وقادمها. فهو كحزب لم يتأسس بناء على رغبة هذا الشخص او ذاك، ولا استجابة لنزعة وشهوة السلطة، او ابتغاء الشهرة، او ركوبا لموجات لتحقيق مطامح شخصية، وانما تأسس لتحقيق اهداف وتجسيد قيم كانت وتظل نبيلة وسامية.
وهكذا فان الحزب الشيوعي ليس مجرد ماضِ وتاريخ، كما يحلو للبعض ان يردد، بل هو مسيرة مشرفة متجددة ليس فيها ما يخجل منه الشيوعيون. وهو حاضر يعيش هموم الناس ومشاكل الوطن، ويعمل بنكران ذات لإنقاذ البلاد مما هي فيه من سوء طافح وفساد مستشر وسلاح منفلت، ومن تردٍّ بيّن على مختلف الصعد. وهو يسعى مع غيره من قوى الوطنيين والديمقراطيين الى قطع طريق العبث والفوضى والفساد والتخريب وحالة اللادولة والى تدشين الانطلاق على طريق التغيير الشامل.
بفخر واعتزاز نقول ان حزبنا الشيوعي هو الامل والنور المرتجى والمعوّل عليه، وسط الظلمة التي يريد لها البعض بشتى الوسائل والأساليب، القانونية وغير القانونية، ان تطبق كليا على بلدنا ليغدو قندهار ثانية.
ان حزبا بإرادة ومواقف كهذه، يتفاعل حاضره ومستقبله مع ماضيه، لن تخبو انواره ، وسيظل يضيء الطريق للحالمين بغد مشرق وضاء، والساعين اليه، شاء من شاء وابى من ابى من أعداء التقدم والرقي والإنسانية.
وهناك في تاريخ بلادنا أسماء كثيرة ناصبت حزبنا والشيوعية العداء ، فلم تصل الا الى المكان الذي تستحقه في مزابل التاريخ. واذا كان هناك اليوم من الناعقين الجدد من يريد اللحاق بها، فلن يكون مصيرها افضل من مصيرهم.