عديدة هي مواد وفقرات دستور جمهورية العراق التي لها صلة بالحقوق والحريات، وبكون كل فرد عراقي له الحق “في الحياة والأمن والحرية”، وبكون الدولة “تكفل حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية او الانضمام اليها”، وان “لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة “، وتكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني.
وتؤكد المادتان الدستوريتان ٣٨ و٣٩ حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وان الدولة تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي.
وحتى القوانين التي ُتشرّع لتنظيم تلك النصوص الدستورية، يجب الا تمس جوهر الحق او الحرية (المادة ٤٦)، كما لا يجوز سن قانون يتعارض مع الدستور وهو القانون الاسمى والاعلى في العراق والملزم في انحائه كافة (المادة ١٣).
ولنعد الى ممارسات منظومة الحكم منذ ٢٠٠٥، سنة تبني الدستور حتى يومنا هذا، وكم هي ابتعدت عن جوهر واحكام هذا الدستور، وراحت تنتقي من مواده ما يتوافق مع مصالحها، وتفسرها وفق ما تريد وتشتهي.
فاين هذه المنظومة من النص الدستوري الصريح في المادة التاسعة / ب القائل: يحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج أطار القوات المسلحة؟ كما ان قانون الأحزاب السياسية شدد على منع من يمتلك أذرعا مسلحة من المشاركة في الانتخابات. فهل تحقق هذا او ذاك سابقا وحاليا؟
وأين منظومة الحكم من الحفاظ على التنوع والتعدد، بما فيه الفكري والسياسي، في المجتمع، ومن ضمان تكافؤ الفرص للعراقيين جميعا، من دون تمييز لأي سبب كان؟
ثم ان التمييز بين العراقيين في اسناد الوظائف العليا والدرجات الخاصة واضح وبيّن، وهو جرى ويجري وفقا لحزبية ضيقة مقيتة وتخادم تحاصصي، وقد اعتُمد هذا حتى في التوظيف العام في مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، بل وامتد ليصل حتى الى الرعاية الاجتماعية.
كذلك جرت وتجري المساعي لتوسيع قائمة الممنوعات والمحرمات، في توجهٍ لتأطير المجتمع وتنميط حياة المواطنين، بما يتعارض ويتقاطع مع حال التنوع والتعدد في مجتمعنا، قوميا ودينيا ومذهبيا، إضافة الى التعدد الفكري والسياسي.
ومن المثير حقا في هذا السياق، ما يجري للعملية التربوية والتعليمية في بلدنا. ففي الوقت الذي يؤكد المنهاج الوزاري على اسناد قيادات هذا القطاع الهام والحيوي الى عناصر كفؤة ونزيهة وبعيدة عن الحزبية والمحاصصة، يظهر الواقع الفعلي واقعا مغايرا، يُراد فيه فرض قيود حزبية وايديولوجية معينة، خلافا حتى للدستور.
فهل نحن امام حملة جديدة لأدلجة التعليم وخاصة الجامعي، تذكّر بحملات مشابهة جرت أيام النظام المقبور تحت شعار “تبعيث التعليم”، وتجسدت ايضا في سياسة الجامعات والكليات “المغلقة”؟!
ورغم الادعاء بقبول الرأي والرأي الاخر، نجد تبرما بكليهما وضيقا ينعكس في العديد من الممارسات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر منع المتظاهرين من دخول البصرة للتعبير السلمي عن آرائهم في ما يخص إجراءات ترسيم الحدود مع دولة الكويت الشقيقة، كذلك الدعاوي التي تقيمها جهات نيابية وحكومية ضد ناشطين وأصحاب رأي، بدلا من محاججة الفكرة بالفكرة ومن توضيح الأمور والمزيد من الشفافية.
ان هذه العينات، وهناك الكثير غيرها، لا تساعد على “إعادة ثقة الشعب بالنظام السياسي “ كما جاء في المنهاج الوزاري، بل هي على العكس تماما تعمق الهوة الآخذة بالاتساع منذ زمن، جراء التمسك بالمنهج الفاشل للحكم، ولّاد الأزمات والكوارث.