اليوم هو آخر الأيام التي حددتها مفوضية الانتخابات لاستلام قوائم المرشحين، كذلك ما يخص تحديث وتثبيت معلومات الناخبين والجدد منهم ، والحصول على البطاقة البايومترية التي تمكن الناخب حصريا من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، المقرر اجراؤها في ١٨كانون الاول٢٠٢٣ .
ومثل غيرنا لم نتفاجأ بهذا العدد الكبير من الأحزاب والتحالفات التي أعلنت المفوضية انها أتمت تسجيلها او هي في طريقها الى ذلك. فمعالم هذه الانتخابات ومقدماتها تشير جميعا الى انها ستكون “معركة “ بامتياز . وهذا العدد الكبير فيه تشابه واسع في ما تعلنه وتدعيه مكوناته وعناصره، بل حتى تقارب في الأسماء، ومنها ما هو حديث ومستحدث وجديد على الحياة السياسية، او زج به فيها، فيما هناك تحالفات يتضح من عناوين المتحالفين فيها انها تجمع المتناقضات .
معالم هذه المعركة التي ابتدأت مبكرا، تؤشر انها ستخاض بوسائل مختلفة ومتعددة، وستنقسم التحالفات والأحزاب والافراد المشاركون فيها الى فريقين رئيسيين اثنين على الأقل، وهناك من هو بينهما. وقد يكون هذا الانقسام هو سمتها الأساس المتوقعة.
فستخوض القوى والكتل المتنفذة والجديدة الملتحقة بها او المستحدثة من قبلها هذه الانتخابات، كما في مرات سابقة، وربما الآن بصورة “أقمش”، اعتمادا على المال والسلطة والنفوذ والاعلام والجيوش الالكترونية وشراء الذمم، والذي غدا يشمل المرشح والناخب. ومؤشرات ذلك عديدة في الكثير من المحافظات والمناطق. وفي هذه الأيام قفز سعر المرشح الواحد الى اكثر من خمسين مليون دولار، إضافة الى الهدايا من قطع أراضي وبيوت وسيارات جكسارة للمرشح ومن يقف خلفه ويسانده. وهذا هو اليوم حديث المواطنين الذي يتساءلون، ونحن معهم ،عن مصادر هذه الأموال والانفاق الذي فاق كل التصورات؟!
وستعمد القوى التي لها مواقع في السلطة على نطاق واسع الى استغلال مزايا هذه السلطة وممتلكات الدولة. وليس اسطع هنا من الصور التي تنشر للمسؤولين، الراعين والمرشحين، وهم يتنقلون بسيارات وحمايات الدولة، الأمر الذي لا يتوفر لغيرهم. وبالطبع سيكون هناك المزيد والمزيد من الوعود، فضلا عن الرعاية الاجتماعية التي صارت اليوم وسيلة انتخابية ودعائية، مع حصر التقديم اليها عبر نواب وجماعات محددة !
لذا وفي وقت مبكر بدات الملاحظات توجه الى المفوضية العليا للانتخابات، متسائلة عن إجراءاتها في مواجهة سيل المال السياسي، وما اذا كان كافيا إصدارها التعليمات وجمودها على ذلك؟
وفي مقابل هذا ستكون هناك حملات انتخابية لقوى وتحالفات معتمدة أساسا على رسالتها الانتخابية التي تريد ايصالها الى الناس، وهي تطرح نفسها بديلا لكل ما ذكر أعلاه من افرازات منظومة الأقلية الحاكمة ومنهجها المحاصصاتي الفاشل. وهي تراهن على تجربة الناس ووعيهم ومعرفتهم باسباب معاناتهم طيلة الـ ٢٣ سنة الماضية، فيما هم شهود عيان على هذا الفرز الواضح في المجتمع بين تلك الأقلية المرفهة والمتمتعة بالسلطة والمال والنفوذ والممتلكة للسلاح والاعلام والعابثة بالمال العام، وبين الأغلبية الساحقة التي تعيش معاناتها اليومية وما اشدها.
وعلى هذه الأغلبية كان الرهان ويبقى، وقد جربت القوى المتنفذة هنا كامل أسلحتها في انتخابات سابقة، والحصيلة معروفة في النسبة العالية والغالبة للمقاطعين والعازفين. نعم، الرهان على هذه الأغلبية الساحقة المستاءة والمعارضة، والمتطلعة الى بديل لمنظومة الحكم التي جربت وجربت مرات.
من جانب اخر لا بد لمن يقدمون انفسهم على انهم البديل، من اطلاق حملة انتخابية تقدم للناس أملا في رؤية ضوء في نهاية النفق ، وتحظّهم على جعل الانتخابات القادمة رافعة من روافع التغيير المرتجى والمنشود والمنتظر.