ما انفكت الأصوات تتعالى مدوية في ارجاء الوطن ، داعية الى حملة شاملة ضد الفساد الذي غدا معرقلا لكل شيء ، وبضمنه ما نشهده هذه الأيام من استخدام للمال السياسي في انتخابات مجالس المحافظات حتى قبل ان تبدأ!
قد يقول قائل: ما الجديد في ذلك وقد استخدم هذا المال في كل الانتخابات السابقة؟ هذا صحيح تماما ولكنه الآن فاق الحدود والتصورات ، حيث شراء المرشحين وتفكيك تحالفات وتشكيل أحزاب ظل، مع تواصل ضغوط هذا المال السياسي ، الناعمة والغليظة ، على قدم وساق .
وامام تفاقم الظاهرة اطلقت قوى وشخصيات ديمقراطية ووطنية حريصة على الوطن وأموال الشعب ، دعوات لانتشال البلد الغارق في لجة الفساد، ووقف نهب الأموال العامة وتوظيفها على نحو سليم لصالح تحسين أوضاع الناس وتنمية البلد وتنويع اقتصاده وتأمين رقيه وازدهاره، وتخليصه من الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والخدمية التي تعصف به، رغم الأموال التي يحصل عليها العراق ورغم موازنته الأعلى في تاريخه. وقد جاء تصريح رئيس الوزراء بان هناك من يتربص باموال الموازنة ، دليلا اخر على القلق الحقيقي من تفاقم الظاهرة .
ولا يختلف الا من في قلوبهم مرض ومن يكدسون الثروات من السحت الحرام، على ان الفساد غدا مؤسسة أخطبوطية تسندها منظومة تخادمية، تكاد تشمل مؤسسات الدولة بكاملها، وقد امتدت خيوطها مع الأسف الشديد حتى الى المجتمع .
ولَم تعد هذه الظاهرة تقتصر على الرشى والكومشنات والعقود ، بل امتدت الى اشكال ومجالات عديدة أخرى، قال عنها احد رؤساء الوزراء السابقين انها بلغت ٤٠ ملفا وهي متفرعة ومتشعبة .
رغم كل هذا فان الخطوات المتخذة حتى الان ليست بمستوى التصدي الجاد لهذه الظاهرة المتفشية، خصوصا وان الناس كانت تأمل في تسارع الإجراءات والخطوات بعد تشكيل الحكومة، وبعد التصريحات المتكررة لرئيس مجلس الوزراء، المؤكدة ان مكافحة الفساد هي من أولوياتها ، إضافة الى ما تعلنه هيئة النزاهة .
ونشير الى ان المواطنين في حال استغراب، ففيما يظهر العديد من القضايا واضحا ومعززا بالادلة، تتواصل مطالبة المواطنين بتقديم ما لديهم من براهين وأدلة على حالات الفساد، وهل هناك أبلغ من قول البعض بلسانه انه تلقى رشى؟ او لنأخذ مثلا ملف “عقارات الدولة” الذي رُكن في أروقة مجلس الوزراء، او ملف تهريب النفط ، او الفساد في المنافذ الحدودية ، او”سرقة القرن”، او”الاستيلاء على عقارات المواطنين عنوة”، ناهيكم عن الكثير من المشاريع الوهمية والمتلكئة والتي صرفت أموالها وتبخرت، وليس آخرها تهريب العملة ومزادها.
كل هذه الأمور تتوفر فيها معطيات واضحة وصريحة، ومعروفةٌ الجهات والشخوص الذين قاموا بها ويقفون ورائها ، ومن يدعمهم ويساندهم .
والانكى انه في هذه الأوقات التي يجري فيها الحديث عن أهمية وضرورة مكافحة الفساد، بعد كل ما سببه من كوارث وأضرار، وضياع للمال العام والوقت، وتاخر البناء والاعمار، وضياع فرص حقيقية للتقدم، وعدم معالجة الازمات وتوفير فرص العمل ، بجانب ذلك يجري هدر لآخر للمال العام من خلال التوظيف الزبائني وتضخيم اعداد المستشارين وعسكرة المجتمع !
فيما توجد ملفات أخرى مسكوت عنها حتى الان، وتسمى ملفات الفساد الكبرى، وهي التي يعرف عنها انها تمس بشكل او بآخر أشخاصا متنفذين. فما مصيرها، ومتى يتم تحريكها؟
لعل من نافل القول التأكيد من جديد ان هذا الملف يحتاج الى إرادة سياسية شجاعة وحملة وطنية شاملة تغطي العراق بأكمله بما فيه إقليم كردستان، وان يتحلى القائمون عليها بالحرص على الوطن والشعب ومصالحهما العليا، ويقفون على مسافة واحدة من الجميع، ويتعاملون مع كل الملفات دون محاباة او مجاملة لهذا الطرف او الشخصية او تلك .
متى يا ترى يتحقق ذلك، وتصان أموال الشعب؟ ذلك ما يتوجب العمل من اجل ان يرى النور، وهو ما لن يحصل كمكرمة من احد، ولن يتحقق الا بالضغط و-ينتزع انتزاعا.