اخر الاخبار

1 - اليسارية قضية كبرى وليست هوية اعتباطية يتأبطها كل من يشاء ومتى ما يشاء. في بلادنا وفي خضم هذا الفساد المتلاطم الأمواج لابد ان تصاب المفاهيم الفكرية والسياسة النبيلة “بطشار” من أوساخ الفساد. تأتي هذه التحريفات والتخريفات من جهات متنوعة. من خارج تيار اليسار ومن داخله أيضا عندما يصعد إلى سفينته من كل زوجين اثنين. 

2 - يتهم بعض رجال الدين اليسار الديمقراطي بوقوفه وراء نزعة التحول الجنسي والتحلل الاخلاقي والفساد الاجتماعي.  يستند هؤلاء -الفاسدون هم أصلا - على أن الحزب الديمقراطي الحاكم في أمريكا ينتمي إلى اليسار وأن قرارات بايدن الخرف المتعلقة بالحرية الجنسية وبالمثلية هي يسارية او لأنه هو يساري!!. ثم يستندون أيضاً على مبدئين عظيمين يؤمن بها اليسار وهما حقوق الإنسان وحرية العقيدة والانتماء فيتهم اليسار بتراخيه وتساهله مع ظواهر الشواذ بل والترويج لها. 

نقول لهؤلاء الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف إن الحزب الديمقراطي الأمريكي ليس بينه وبين اليسار أية وشيجة لا فكرية ولا سياسية. هذا الحزب يؤمن بالرأسمالية واقتصاد السوق الحر ويدافع عن الرأسمالية بكل انواع الأسلحة والمؤامرات والدس والاغتيالات والحروب والتدمير الشامل للبلدان ويتبع سياسة الهيمنة على البلدان الضعيفة والفقيرة. اما ما يجعله يقف إلى “يسار” الجمهوريين ففقط هو مواقفه الدعائية لبعض نقاط الضرائب وتجنب الغزو المباشر للبلدان واعتماد أساليب الاندساس والتجسس بديلاً عنها والاغتيالات والسرقات وتنصيب حكومات الفساد وتخريب بلدانها بدعم منه وتأييدها علناً وامتصاص دمائها ونهب خيراتها. فأين هذا كله من اليسارية؟ نعم اليسار يؤمن بحقوق الانسان كاملةً غير منقوصة مثل حق الحياة المقدس وحق العمل والسكن والتملك بالسبل المشروعة والتنقل والتعبير عن الرأي واختيار الفكر والانتماء والحصول على الخدمات كاملة من صحة وطرقات وتعليم والماء والكهرباء والحصانة القانونية من أي اعتداء إلى غير ذلك. والفرق واضح بين هذا اليسار الحقيقي وما ينسب إلى الحزب الديمقراطي الأمريكي من سمة اليسارية. ناهيك عن كل هذا فإن اليسار لا يشجع ولا يروج للمثلية الجنسية ولا للزواج الشاذ غير الطبيعي إنما يشجع الانجاب المعقول ويحافظ على كيان الفرد والأسرة والعلاقات الطبيعية بين أفراد المجتمع. لكن المثلية كظاهرة غير سوية كانت وما زالت ملازمة للمجتمعات البشرية منذ قبل أيام قوم لوط وإلى يومنا هذا وستبقى ببقاء عوامل وجودها وأسباب تعرض البعض النادر من الناس لهذه الحالة. لكن اليسار وفي الوقت الذي لا يروج ولا يشجع على هذه الظواهر غير السوية ليس ميالاً إلى القمع الجسدي ولا النفسي بل يرى أن معالجة هكذا ظواهر ينبغي ان تكون بأساليب علمية وإنسانية في آن واحد. نحن مع الانسان السوي الطبيعي وعلاقاته الطبيعية والحفاظ على النوع الطبيعي الأساسي والأصلي وعدم المساس بآدمية الانسان ووجوده الطبيعي كفرد وفي علاقاته مع الجنس الآخر وفي تنظيم حياة الاسرة والعائلة باعتبارها نواةً للمجتمع المستقر والمتطور.

3 - البعض ومن مختلف الانتماءات يتوهمون أن المدنية والديمقراطية تعني بالضرورة اليسارية. لا ابدا. ابدا. قد نتفق على ان كل يساري هو بالضرورة مدني وديمقراطي. لكن ليس كل مدني هو يساري. ولا كل ديمقراطي هو يساري. فالمدنية تعني في أساسها أنها ليست عشائرية وليست دينية وكذلك ليست عسكرية. والمدنية في الحقيقة من المدينة كما أن الحضارة من الحواضر. لذلك فإن المدنية والحضارة وجهان لعملة واحدة. نتكلم هنا عن المدنية الحقيقية التي يتبناها اليسار ونتكلم أيضا عن الحضارة الحقيقية والتي يتبناها اليسار. لكن الرأسمالية الغربية وامتداداتها المشوهة لدينا في عالمنا الشرقي والعربي على وجه الخصوص تؤمن أيضا بالمدنية المشروطة. المدنية التي لا تتقاطع مع مصالح الرأسمال الجشع وتوحشه البشع. وإلّا فإنها ستلجأ إلى العنف الدموي بشتى أساليبه بما في ذلك الغزو والحروب طويلة الأمد. لاحظوا سلوك أمريكا إزاء العالم والتي خاضت الحروب تلو الحروب إلى حد تجاوز عدد حروبها عدد أعوام عمرها منذ تأسيسها إلى يومنا هذا. تابعوا جرائم الرأسمال الفرنسي في أفريقيا تلك الجرائم التي وصلت إلى حرق مدن بالكامل وإسقاط أنظمة والهيمنة المطلقة على منابع الموارد والطاقة والغنى المتعدد الأشكال العائد شرعاً إلى شعوب أفريقيا المالك الأصلي لها.  

والديمقراطية ليست هي الاخرى يساراً. فالانتخابات (ولا أتحدث هنا عن مهازل الانتخابات في بلادنا) استخدام مباشر لحق التصويت وحق التعبير عن الرأي وحق الانتماء أيضا. لكن هذا الحق يمارسه الجميع من رأسماليين وأصحاب المصانع الكبرى والاقطاعيات العملاقة وكبار تجار شتى أنواع البضاعة بما فيها التجارة بالأعضاء البشرية وبالعبيد والخدم. وكذلك يمارس العامل والفلاح حقه في الانتخابات والطالب والجندي والمعلم والأستاذ والصحفي وكل أبناء الطبقات والشرائح المستغَلة والمعدومة والمضطهَدة وهم الأغلبية. لكن ماذا بعد ممارسة هذا الحق ما دامت القوانين والدساتير في تلك البلدان تحفظ للرأسمال حتى المشوّه منه السلطة والقرار؟ سيقال يمكن للفائزين تغيير هذه القوانين والدساتير. نعم. لكنني اقول إن الديمقراطية التي يؤمن بها خصومنا هي تلك التي تحفظ لهم البقاء أما التي نؤمن بها نحن هي ديمقراطية واقعية حقيقية لا تقف وراءها ما تسمى بالدولة العميقة او الحكومات العميقة والخفية. وهنا تكمن استحالة أي تغيير جدي وحقيقي مهما كانت الترقيعات الواسعة وألوانها الزاهية. بمعنى اننا نأخذ بالحسبان ميزان القوى الفاعل ومن بالنتيجة سيكون له الحق في تغيير القوانين ونتذكر أيضا أن كلاب ووحوش الرأسمال والسلطة يمتلكون كل الأدوات التي يحافظون بها على سلطانهم وامتيازاتهم. ويبقى ذاك الطاس وذاك الحمّام. فشعبنا ما زال يعاني من آثار سياسة القمع الدموي الذي مارسته ضده السلطات آنذاك ومن يقف وراءها أثناء تظاهرات تشرين الشجاعة.

4 - ديمقراطية اليسار الحقيقية تبدأ في اسقاط الدساتير والقوانين المتعسفة والظالمة وإقرار دساتير وطنية شعبية إنسانية تتحقق فيها شروط العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان وحرياته المتنوعة غير منقوصة. وعندما نقول الإنسان نحن نقصد الانسان ابن الوطن والمواطن وكذلك كل إنسان على وجه المعمورة. فنحن نمثل الإنسانية في الحماس ذاته الذي نمثل فيه الوطنية. اليسار الديمقراطي مدني تقدمي إنساني ينتصر إلى الفقراء بشعاره النبيل: العدالة الاجتماعية وبمفاهيمه المكملة مثل العمل وبناء الدولة القوية العادلة والمساواة ورفع كل انواع الحيف والظلم واللا مساواة.

عرض مقالات: