اخر الاخبار

في الرابع عشر من شهرشباط من كل عام يحتفل الشيوعيون العراقيون بيوم الشهيد الشيوعي، هذا اليوم الذي أصبح تقليدا” يلتقي فيه الشيوعيون وأصدقاؤهم لإحياء ذكـرى شـهداء حزبهم الذين سـقطوا في ساحات النضال المختلفة، سواء في السجون والمعتقلات، أو في الشوارع والإنتفاضات، دفاعا” عن قضايا شعبهم ووطنهم في مواجهة الدكتاتوريات المتعاقبـة. فهـذا الأحتفال ليس احتفالا” عابرا” بل هو احتفال” لتمجيد شهداء الوطن الذي إبتلع الحقد الأسـود الآلاف منهم. إنه يوم ذكرى البطولة والصمود والأستشهاد من أجل القيـم والمبادئ الفكريـة السامية، ذكرى القـادة في الحزب الشيوعي العراقي الذين قدموا أنفسهم قرابين للمبادئ التي آمنوا بها من أجل حرية الشعب واستقلال الوطن والغد الأفضل.

ففي الرابع عشر والخامس عشر من شـباط/ عام 1949 وفي العهـد الملكي تعهـد الطـاغية نوري السـعيد بالقضاء على الحزب الشـيوعي العراقي، وذلك بأعـدام قادتـه الأبطال الذين رفعـوا رايـة النضال من أجل عراق مسـتقل تسـوده الحـرية والديمقراطية والعـدالة، حيث صعـدت إلى المشانق أول كوكبة خالدة من الشهداء وهم مؤسس الحـزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد)، الذي اطلق صرخته المدوية (الشيوعية اقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق)، والشهيد زكي بسيم (حازم)، ثم تبعه في اليوم التالي إعدام الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم) وهم يهتفون بحياة وطنهم وحزبهم وشعبهم ومن أجل حرية الشعب والوطن.

ففي هذا اليوم وفي ذكرى أستشهادهم، دأب الشيوعيون أينما وجدوا على تمجيد هؤلاء القادة وهم يقفون إجلالا” لأرواحهـم الطاهـرة، وفي لحظات الخشـوع هذه يتطلع الشـيوعيون وكل الوطنيين بإكبـار إلى الإرادة الصلبة التي حملها هؤلاء الأبطال والتي واجهت المشانق برجولة وشرف متحدية الطغـاة.

وفي الخمسينات من القرن الماضي كانت دماء الشهـداء الشيوعيين والوطنيين تتواصل، في إنتفاضة تشرين الثاني عام 1952 ومجازر السجون في بغداد والكوت عام 1953، وانتفاضة خريف عام 1956، هذه الدماء التي تعتبر مشاعل على طريق النضال الذي توج بثورة 14 تموز/ 1958.

ثم جاءت مأساة الانقلاب الدموي الأسود في الثامن من شباط الأسود 1963 التي مثلت محطة من أكثر المحطات صموداً في تأريخ الحزب، ففي هـذا اليـوم فشل قـادة حزب البعث الفاشي بتحقيق نفس الأمنيـات لسـلفهم نوري السعيد، حيث صمد الحزب وانتصر على السيف، وإمتزجت دماء العـرب والكرد والكلدوآشوريين والصابئة المندائييـن والتركمان والإيزيـديين والشبك في وسـط وجنـوب الوطن وفي جبـال كردسـتان العراق، حين أصدر الحاكم العسكري للأنقلابيين رشيد مصلح البيان رقم 13 الذي دعا فيه الوحدات العسكرية وقوات الشرطة إلى إبادة الشيوعيين..

ثم تبعه قانون رقم 35 لسنة 1963 الخاص بتشكيل فرق الحرس القومي، ومنذ الساعات الأولى لتشكيلها بدأت بألقـاء القبض على الآلاف من الشـيوعيين والديمقراطيين، من قـادة الحزب وكوادره وأصـدقائه، وتحول العراق على يـد هؤلاء القتلة إلى سـجن رهيب باستعمالهم كافة أدوات التعذيب البشـعة في سـراديب قصر النهايـة، وبيوت المخابرات السرية، بحق الشخصيات الشيوعية والوطنية وأستشهد عدد كبير منهم وهم يسطرون ملاحم بطولية خالدة ومن هؤلاء الشهداء: سكرتير اللجنة المركزية للحزب سلام عادل، وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي،  جورج تلو، محمد حسين أبو العيس، طالب عبد الجبار، وعبد الرحيم شريف، عبد الجبار وهبي، نافع يونس، وحسن عوينة، متي الشيخ، ومهدي حميد، وحمزة سلمان، شريف الشيخ، والمئات من الشهداء من كافة القوميات والمذاهب والشخصيات النقابية والأجتماعية.

وفي17 تموز من عام 1968 عاد حزب البعث الفاشي لتولي زمام السلطة بأنقلابه المعروف ليواصل من جديد فكره الفاشي والتصفيات الجسدية لقادة وكوادر وأعضاء الحزب الشيوعي، وجرت تصفية العديد من قادته وكوادره عن طريق الخطف والأغتيالات في الشوارع والدهس بالسيارات، ومن بين القياديين الذين استشـهدوا بهـذه الطريقة كل من أسـتاذ الفلسفة في جامعـة البصرة الدكتور (عبد الرزاق مسلم الماجد) في 31 آذار /1968 وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشهيد  ستار خضير الحيدر في 23 حزيران من عام 1969 وعضو مكتب بغداد للحزب الشـهيد  محمد الخضري  في آذار من عام 1970،  والشهيد فكرت جاويد  في السليمانية عام 1974 والشهيد عبد الأمير سعيد.

وجاء عام 1978 وحدث ما كان بالحسبان، حيث نُفـذ حكم الأعـدام في شهر آيار من نفس العام بحق كوكبة من 31  شـيوعيا وصديقا للحزب بحجة العمل في القوات المسلحة، وشن النظام حملة واسعة النطاق لتصفية الحزب وإعتقال قياداته وكوادره وأعضائه في كافة أنحاء الوطن، لكن هذه الحملة هذه لم تحقق أهدافها وانتقل الحزب إلى العمل السري من جديد في ظل ظروف بالغة الصعوبة، بينما وقع في أيـدي البعث الآلاف من أعضاء الحـزب وكـوادره وتعرضوا للتصفيات الجسدية والتعذيب، وكان من بين القياديين المعتقلين والذين تمت تصفيتهم الشـهداء(عايدة ياسين) عضوة اللجنة المركزية للحـزب  والدكتور (صفاء الحافظ)، والدكتور (صباح الدرة).

وهنا لابد ان نتذكر المئات من شهيدات وشهداء الحركة الانصارية الباسلة في الثمانينات من القرن الماضي الذين سقطوا في سوح المعارك وهم يقاتلون النظام الدكتاتوري وعملائه في جبال كردستان وفي ظروف صعبة للغاية. كما قدم الحزب العشرات من الشهداء بعد سقوط النظام جراء الإرهاب الأسود الذي أراد ذبح العراق.

علينا اليوم وفي يوم الشهيد الشيوعي ووفاء منا للشهداء الأبطال ان نتذكر الشهداء ونمجدهم ونفتخر بهم كرموز لحزبهم ولشعبهم العراقي، وان نتمثل بطولاتهم وننقلها إلى جيل الشباب.

أن من واجبنا في هذا اليوم أن نشاطر عوائل الشهداء الحزن والفخر ونؤكد لهم بأن حزبهم وشعبهم لم ولن ينساهم يوما وليبدأ رفاقهم الشيوعيون وذوو الشهداء ومعارفهم بأحياء ذكراهم سنويا بالكتابة عنهم، عن تأريخهم وبطولاتهم وتفقد عوائلهم ووضع باقات الزهور على قبورهم وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم الطاهرة.

ليكن يوم الشهيد الشيوعي مناسبة لوقفة إجلال وإكبار أمام تلك الدماء الزكية التي أضاءت الدرب، ولابد أن نقول لجميع الشهداء أننا نفتخر بكم فقد كنتم الصخرة التي دفعت النظام الدكتاتوري إلى مزبلة التأريخ، فلكم المجد أيها الأحبة فأنتم في الوجدان والضمير.

المجد كل المجد لشهداء الحزب الشيوعي العراقي ولشهداء الحركة الوطنية.