اخر الاخبار

نؤيد بقوة كل الإجراءات التي اتخذت -وسوف تتخذ -والرامية الى قطع دابر انتشار الرذيلة والمستويات الهابطة اخلاقيا وسلوكياً. وندعو الى عدم التوقف بل تحويلها الى موقف صارم مستمر وثابت للسلطات المسؤولة عن حماية المواطنين من نزوات أصحاب البرامج الخادشة والظهور الفاضح واللغة السوقية.

من واجب الدولة الحفاظ على الذوق العام وتجنيب المواطن خدش مشاعره وكرامته والتلاعب بعواطفه وبعقله وترسيخ ثقافة الوعي الثقافي والاجتماعي الذي يعمل وفق قوانين التطور والعلم والحضارة دونما السقوط في حاويات الابتذال.   

وفي هذا المعنى تحديدا ينبغي الاتفاق على معاني المستوى الهابط ومعاني مسؤولية الدولة عن احترام مشاعر المواطنين والتصدي لكل ما يسيء الى وعيه ومعرفته وعقله وثقافته.

والسؤال هل ان هؤلاء الذين اصطلح على تسميتهم بأصحاب المستوى الهابط هم فقط ممن يتسببون في الإضرار بعقل المواطن وكرامته؟ ماذا عن الممارسات الاخرى التي في نتائجها النهائية لا تقل ضرراً عن ممارسات هؤلاء الذين استهدفتهم مؤسسات الدولة -إن لم تتفوق عليها -وهي في هذا على حق وصواب؟

لنأخذ مثلاً: هؤلاء الذين يشيعون في المجتمع ثقافة التفاهة والتخلف من قبيل الخرافة والقصص المؤلفة والمفتعلة والبعيدة كل البعد عن المنطق وعن الواقعية.

لنتابع مثلاً بعض خطباء ومتحدثي المنابر الذين يستخدمون الدين ورموزه الموقرة وعالية المقام لتمرير أساطير ينسبونها للأنبياء وللائمة ولآل البيت ظلماً وبهتاناً. لا شك انهم يستخدمون أسماءً عرفت بقدسيتها ومكانتها العالية في النفوس لتغطية مضامين غير حقيقية مفتعلة ومفبركة عن هذه الأسماء الكريمة.

هذه الاحاديث والخطب تمسخ النفوس وتعطل العقول وتحول البشر الى خواء تام لا يجيد التفكير السليم ولا الرؤى العلمية ولا المنطق في تفسير الحدث الأمر الذي ينعكس على أجيال الشباب والصبيان والأطفال و”سيضمن” لنا وللأجيال الصاعدة مستقبلاً هويته الجهل والتخلف وغياب تام للتفكير العلمي في بناء الحياة وحل المشاكل اليومية.      

في مثل هذا الاطار يجب ان ننظر ايضا الى المروجين لثقافة العنف وانتشار السلاح واستخدام القوة في التعامل بين الناس. كل عاقل يفقه جيدا معنى السلاح وأسباب صناعته والاتجار به. الكل يعلم ان أقرب وأسرع خدمة يقدمها السلاح الى حامله هي الجريمة. تنتشر عادات سيئة ومسيئة ترتبط بالسلاح وحمله وامتلاكه دونما ضوابط محددة وتحت مسميات عديدة وتبريرات غير حضارية أبداً.                

تنتشر أيضا ظاهرة الفقر الكافر الذي يدفع الناس نحو شتى السلوكيات المخيفة والهدّامة. منها السرقة التي اتسعت لتشمل ساحات أوسع بكثير من ذي قبل وغدت هي وشقيقتها المسماة بالرشوة وجه شطارة وذكاء وتفنن ومفاخرة. الأنكى من هذا ان اللصوص وسراق المال راحوا يشركون عوائلهم، أولادهم وزوجاتهم، في جرائمهم ويتسترون وراءهم. والأكثر مثاراً للقلق أنهم لم ولا وربما لن يلاقوا أية ردود فعل قانونية رادعة حاسمة وحقيقية فصاروا نماذج تقتدى وانتشرت أمثلتهم لتغدو طريقا يسلكه كثيرون.                     

والتسول في الشوارع هو الآخر يمسخ آدمية الانسان ويعدّ تهبيطاً للأخلاق والعادات وآدمية البشر. فتلك الظاهرة التي تفشت بصورة مخجلة مؤلمة أصبحت مهنة يرفض أصحابها أية صيغة للعمل الشريف المنتج مقابل دخل كريم ونزيه.  هذه الظواهر كلها انتشرت وراحت تخدش بمخالبها الذوق العام والثقافة التي من شأنها ان تكون هويةً لمجتمع مستقر آمن.                   

ومن ذلك ايضا عدم تحرك الإدعاء العام والقضاء والأمن الوطني لقمع ظاهرة التباهي علناً بالسرقات واللصوصية التي يمارسها كثير من المسئولين الأمر الذي يدفع المواطن إلى اليأس من الوصول يوماً ما الى حالة يحاسب فيها السارق ويحال الى المحاكم لينال جزاءه العادل. ان المواطن في مواجهة هؤلاء يبدو لا حول له ولا قوة سوى الاستسلام الى هوان التبعية والسلوكية المتغاضية عن كل هذا. وهنا يكمن سر إعادة انتخاب هؤلاء اللصوص مرة بعد مرة لأنهم يمثلون القوة التي لا تقهر وما إشهارهم فسادهم الا دليل قوتهم وسطوتهم. كم يخسر الشعب العراقي عدا عن الجانب المادي والمالي جراء هذا الاستهتار بأموال ألدولة انما اقصد هنا سيطرة النموذج الهابط الفاسد ما دام لا أحد هناك يحاسب “أبطاله”.

اعتقد ان من أشكال الفساد والمستويات الهابطة لدينا الكثير الكثير من النماذج الأخرى. فليس بعيدا عن الهبوط بكل معانيه ما يجري في بعض الإعلام الذي يمارس الابتذال تحت حجة الصراحة والديمقراطية. من هذا الإعلام ما يمارسه بعض مقدمي البرامج وأصحاب المواقع الخاصة من تجاوزات بحق المشاهد والمستمع وبحق الضيف. الشغل الأكبر لهذا الإعلامي هو الفضيحة والتسقيط مع ممارسة اللغة المبتذلة الهابطة والتي لا تخلو من أرذل المفردات. كم من مرة يحاول “ إعلامي “ معين أن يستدرج سيدة محترمة وفنانة وقورة للحديث عن علاقتها بفلان وفلان سواء من أقطاب النظام السابق أو الحالي.

كم من “معلق سياسي” يرعبنا بتوقعاته السخيفة عن مجيء جيوش جرارة لاكتساح العراق من شماله إلى جنوبه وتغيير نظام الحكم القائم -الذي فعلا يستحق التغيير ويجب تغييره -لكن فقط على أيادي شعبنا والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. لقد تحول هؤلاء المحللون إلى فتاحي فال وضاربي رمل وآخذي الخيرة وقراء الطالع مقابل أن يظهروا على بعض الشاشات التي ما عادت تختلف عنهم كثيرا من حيث البحث عما يثير ويقلق ويخيف وكأننا إزاء أفلام رعب لا أمام وسيلة إعلام رسالتها إيصال المعلومة الصادقة والتحليل العلمي الواقعي والإسهام في توجيه الرأي العام والمشاهد نحو ما هو حقيقي وصادق.

من هذا القبيل الهابط جدا أيضا سلوكيات بعض “السياسيين” الذين تحولوا إلى شقاوات تدير مجاميع في محافظاتهم لتحويلها إلى إقطاعيات ملك صرف يستحوذون على مواردها الطبيعية وتخصيصاتها المالية ويتحكمون بمصائر الناس هناك ولا من حسيب أو رقيب من قبل السلطات المركزية بل على العكس هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى تهاون المركز مع هذه السلوكيات بغض النظر عنها والسكوت عن نتائجها التخريبية الهابطة.

لذلك أدعو الى إشراك الشعب في كل الجهود التي تتوخى منها الدولة مواجهة المستويات الهابطة وثقافة الرذيلة والخرافة وانتشار تحويل الإنسان العراقي الى ضحية لممارسات لا تليق بعقله وثقافته وكرامته وتطلعاته نحو الرقي والتقدم العلمي والحضاري.

عرض مقالات: