اخر الاخبار

التأم في ايام 27ـ29 نيسان 2024، في اربيل، المؤتمر الحادي عشر للأنصار (البيشمركة) الشيوعيين. وفي جو من المحبة التي ألفتها قلوبهم،استذكروا احداث سنوات كفاحهم البعيدة بمرّها وحلوها، وكانوا يتحدثون عنها وكأنها حدثت قبل أيام، وليس قبل اكثر من ثلاثة عقود من السنين.

ويبدو هذا مفهوما، فهي لم تكن ذكريات عابرة بل هي جزء من تاريخ مشرف، صنعته بطولات ومواقف زاخرة بالجسارة، ومسيرة كفاحية اتسمت بالعطاء والتضحية ونكران الذات والجود بالأنفس في سبيل قضية الشعب والوطن. وذلك بالتصدي للدكتاتورية البغيضة والعمل بعزم على اسقاطها، بعد ان جثمت طويلا على صدر الشعب، ودفعت به الى حروب لا مصلحة له فيها.

كانوا جميعا يشتركون في موقف واحد، هو اختيار أسلوب الكفاح المسلح لأسقاط النظام الدكتاتوري الذي حكم البلاد بقبضة بوليسية وأساليب فاشية، وقطع كل الطرق على المعارضة السلمية، بعد ان صادرالحريات وفرض حكم الحزب الواحد، الذي اشعل الحروب وقمع الشعب.

ولم يغب الشهداء عن المؤتمر العتيد، بل كان حضورهم مهيمنا على أجواء المؤتمر ونقاشاته، سواء من خلال استذكارهم، والوقوف احتراما لذكراهم العزيزة، او عبر سرد الذكريات عن المعارك التي خاضوها وحتى استذكار لحظات استشهاد البعض منهم. وتكلل احياء ذكراهم المضيئة بزيارة مقبرة شهداء الحزب الشيوعي العراقي ومقبرة الشهداء المغيبين منهم، في اطراف اربيل. حيث وقف الأنصار مندوبي المؤتمر وقفة تبجيل وأسىً على الراحلين، الذين صنعوا مجدا حقيقيا وهم يقدمون ارواحهم فداء للناس ولحقوقهم.

ومعلوم ان الذاكرة الشفاهية للعديد من الأنصار تختزن المواقف المتنوعة وصور المعارك وحتى الوقائع الطريفة من تلك الايام والسنوات الصعبة، من تلك الحياة الحافلة بالأمل والإصرار على خوض الكفاح من اجل عراق لا يحكمه الفاشست.

ناقش المؤتمرون على طول يومين من العمل الجدي والحوار المثمر هوية رابطتهم، مرورا ببرنامجها ونظامها الداخلي وانجازات هيئتها التنفيذية للفترة بين المؤتمرين السابق والحالي - الحادي عشر. والحق انها كانت إنجازات مشرفة، لم تقتصر على ما هو داخلي، متعلق بأنشطة الأنصار سواء الجماعية اوالفردية الإبداعية، ومتابعة حقوق الأنصار التي لم يقرها الحكم السياسي الحالي لهم، بل كان الجحود هو السائد. حتى ليبدو ان التاريخ المجيد من التضحيات وقيم العطاء والمبادرة والاقدام والتطوع دون مقابل مادي،  بل بروح صادقة في دفاعها عن مصالح الشعب وحقه في حياة حرة كريمة .. يبدو ان هذه القيم الإنسانية السامية تؤرق طغمة الفساد التي كرست الفساد ونهب المال العام والاستئثار بالسلطة وطمس الحقوق، والانانية والذاتية والحزبوية الضيقة.

اوصد النظام بابه على الكفاءات الديمقراطية والوطنية المخلصة وذات التاريخ المشرف في تصديه للظلم والطغيان، فيما اكتظت مؤسساته باعداد كبير من ازلام النظام الدكتاتوري ومرتزقته، الذين استبدلوا الزيتوني بأزياء تناسب الهويات الفرعية التي رسختها طغمة الحكم، ومنهم من صرفت له حقوق باسم الشهداء والسجناء، فيما لا يزال عدد غير قليل من المناضلين الحقيقيين والانصار البواسل، محرومين من تأمين سبل العيش، مقابل اغداق الامتيازات على الازلام والمريدين، الذين فيهم من كان خادما ذليلا للمؤسسات القمعية ومطبلا في جوقات الاعلام، ومُزيّنا قبح النظام وقمع الشعب.

لقد توقف مؤتمر الأنصار عند كل ذلك، ليس من زاوية الحق بإنصاف المناضلين الحقيقيين، رغم حق كل المناضلين الذين كرسوا اجمل سنوات حياتهم للقضايا العامة، بل لمناقشة جوهر مواقف المتنفذين الذين اصبحت السلطة ومنافعها هاجسهم الوحيد. فقد ترسخ تحالفهم مع طغمة الفساد، المنشغلة باتقان نهب موارد البلد وابتكار السطو على المال العام، فيما شوهت الديمقراطية التي بقيت اسما دون مسمى، بعيدة عن جوهرها المتمثل في العدالة الاجتماعية التي لم تجد لها مكانا في قاموس الجشع والانانية والفساد، حيث الفجوة الاجتماعية تتسع بين اثرى الأثرياء وبذخهم المهول وقصورهم الفارهة، وبين القابعين في العشوائيات التي تكاثرت حول المدن، وهم يئنون تحت وطأة الفقر والعوز والحاجة.

وخلص الأنصار في مؤتمرهم الى رؤية مفادها، ان جوهر كفاحهم هو التغيير الهادف الى إقامة النظام الديمقراطي، الذي يؤمن للشعب سبل الكرامة والعزة، ويوفر الحريات ويؤمن الحقوق. وحيث ان طغمة الحكم المستأثرة بالسلطة غير معنية بامور جوهرية كهذه، فان هذه المهمة المشرفة تستحق مواصلة العمل من أجلها مع بقية قوى التغيير، وفي المقدمة منها قوى التيار الديمقراطي والحركات الاجتماعية، وما رفعته انتفاضة تشرين من اهداف وقيم، الى جانب اعتماد الأساليب والوسائل السلمية الممكنة لاحداث التغيير المنشود.

عرض مقالات: